مناهضون
إقليم الأحواز أو عربستان، وأطلق عليه الفرس خوزستان بأمر من رضا شاه بعد احتلال الأحواز عسكرياً في 20 أبريل عام 1925، وتعني أرض الحصون والقلاع، ويقع الإقليم في الجنوب الغربي من إيران، ويحده من الغرب العراق، وشط العرب، والخليج العربي، ومن الجنوب إقليم بلوشستان، ومن الشمال جبال إقليم كردستان، ومن الشرق والجنوب الشرقي جبال زاغروس. ويتمتع الإقليم بأهمية استراتيجية؛ إذ إنه يعد بمنزلة صلة الوصل بين إيران والعالم الخارجي عامة، ودول الخليج العربي خاصة، ومن المفارقات أن الإقليم لا يوجد بينه وبين البلاد العربية أي فواصل جغرافية صعبة؛ ما يشكل عاملاً ضاغطاً على الدولة المركزية، وعنصر قوة للعرب الذين يعيشزن فيه، وبلغت مساحة الإقليم، قبل اقتطاع إيران أجزاء منه وضمها إلى بعض المدن الإيرانية، نحو 375 ألف كيلومتر مربع، أما الآن فتبلغ مساحته 348 ألف كيلومتر مربع.
أولاً : المتغيرات المؤثرة في العلاقة بين الدولة المركزية الإيرانية و الأحوازيين:
هناك مجموعة من المتغيرات التي تؤثر في طبيعة العلاقة بين الدولة المركزية في إيران، والأحوازيين في إقليم الأحواز، من بينها ما يأتي:
1- التوزيع الجغرافي للأحوازيين:
المعروف أنه كلما كان انتشار القومية في منطقة واحدة أدى ذلك إلى تزايد قوتها، وتهديد مصالح الدولة المحتلة كلها، أما إذا كانت موزَّعة في مناطق غير مترابطة جغرافياً؛ فإنها ستكون ضعيفة التماسك، وتزداد قوة الدولة على حسابها، وتتكون التركيبة السكانية الإيرانية عموماً من خليط غير متجانس من العرقيات والقوميات والديانات المتعددة، ومن ضمنه العرب. وعادة ما تتعمد الدراسات الإيرانية عدم التفصيل حول النسب الخاصة لهذه القومية؛ غير أن القومية العربية تتركز في إقليم الأحواز بدرجة كبيرة؛ ما يمنحها درجة كبيرة من التماسك الداخلي في مواجهة السلطة المركزية المحتلة للأحواز.
2- الموروث التاريخي للشعب العربي الأحوازي عقدة الاحتلال الفارسي:
كان إقليم الأحواز دولة مستقلة ذات سيادة قبل أن تحتله إيران، حيث كان للعرب الأحوازيين حضارة ووطن ابتلعته الدولة الإيرانية، وترجع جذور شعب الأحواز إلى أصول العرب وقبائلهم، وقد دخل الجيش الإيراني مدينة المحمرة عاصمة الأحواز آنذاك (أو عربستان) في عام 1925م لإسقاطها، وهنا تبدو طبيعة العلاقة التي تقوم على احتلال إيران للأحواز، خاصة في ظل الموارد الاقتصادية الضخمة التي يملكها الإقليم؛ إذ تسهم الموارد الموجودة في هذه المنطقة (الأحواز) بنحو نصف الناتج القومي الصافي لإيران، وأكثر من 80% من قيمة الصادرات في إيران.
3- التناقض في الخصائص القومية والثقافية للشعب العربي الأحوازي:
تؤثر الخصائص القومية للشعب الأحوازي في العلاقة بينها وبين الدولة المركزية في إيران؛ إذ لا يوجد أي تشابه لغوي، أو حضاري، أو تاريخي، بين الشعب العربي الأحوازي والدولة الفارسية “إيران”، بل هناك تشابه مذهبي بصيغة مختلفة تماماً، ومع مرور الوقت زادت وتيرة الاختلافات الثقافية للشعب العربي الأحوازي مع الدولة المركزية المحتلة.
4- سياسة الدولة المركزية الإيرانية في تعزيز الكراهية والتحريض ضد الشعب العربي الأحوازي:
اتبعت الدولة المركزية في إيران سياسةأ سهمتب شكل كبير فيا لتحريض ضدالشعب الأحوازي، وبشكل عام،فإن النظام الإيراني، الذي أتبع الثورة الخمينية في إيران منذ عام 1979م، لا يقبل –حتى اللحظة– فكرة التنوع العرقي والاثني في البلاد؛ حيث لا يوجد في أيديولوجيا الثورة أي اعتراف بحقوق الشعوب والأقليات في إيران، وبرغم وجود مواد معدودة في الدستور حول وضع الأقليات في البلاد؛ فإنه لم يتم تطبيقها حتى الآن.
ثانياً: الأدوات التي استخدمتها الدولة المركزية لإضعاف الشعب العربي في الأحواز
في ضوء تلك المتغيرات، التي سبق عرضها، استخدمت الدولة المركزية مجموعة من الأدوات بهدف إضعاف القومية العربية في الأحواز، وأبرز هذه الأدوات ما يأتي:
- الأداة الأمنية: لجأت إيران إلى استخدام هذه الأداة في محاولة للسيطرة على العشب العربي الأحوازي في الأحواز وإضعافها، بالنظر إلى أن أي قوة تملكها هذه الأقلية تجعلها تمثل تهديداً للأمن القومي الإيراني؛ فامتداد القومية العربية خارج حدود الدولة الإيرانية كان له دوره المؤثر والفاعل في التأثير في العلاقة بين الدولة المركزية والشعوب المحتلة من قبل إيران عموماً؛ والشعب الأحوازي خصوصاً، حيث عُدُّ هذا الامتداد عاملاً مهدداً للأمن القومي الإيراني، في ظل أن علاقة إيران بالدول العربية يغلب عليها الطابع الصراعي؛ فالأقلية العربية تقطن على الشريط الحدودي والخليج العربي، ويقابلها على الجهة المقابلة القومية العربية المشابهة لها، ولاسيما في العراق ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي دول ثرية لديها من الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية الشيء الكثير؛ ما يسهل عملية التأثير في الأقلية العربية الأحوازية من خارج الحدود، إلى جانب أن هذه الدول تملك علاقات تحالفية مع الدول العظمى؛ وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترتبط بعلاقات ذات طابع صراعي مع الدولة الإيرانية أيضاً.
- الأداة المذهبية: يُعَدُّ المذهب الشيعي هو العنصر الجامع بين الحكومة المركزية والشعب العربي في الأحواز، إذ إن أغلبية الأحوازيين يتبعون هذا المذهب، وبرغم أن السلطة الإيرانية حاولت استخدام هذه الأداة للسيطرة على الشعب الأحوازي، فإن اللافت للنظر أن مسألة التنوع المذهبي للشعب الأحوازي ذات الغالبية الشيعية لم يؤثر في موضوع شعوره القومي بأنه جزء لا يتجزأ من الامتداد العروبي. ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى قيام السلطة المركزية والدولة على فكرة تفوق العرق الفارسي على ما عداه من أعراق موجودة في البلاد؛ الأمر الذي نتج عنه تهميش الشعوب الأخرى؛ كما هو حال الشعب الأحوازي، الذي تم تهميشه بشكل ممنهَج ومقصود.
- الأداة التربوية والإعلامية والثقافية: استخدمت إيران هذه الأداة لغرس فلسفة الكراهية والتحريض تجاه الشعب العربي الأحوازي؛ فقد تضمَّنت فلسفة الثورة الإيرانية سلسلة من القيم التي تتعارض مع طبيعة تكوين هذا الشعب العربي الذي يختلف مع المركز الاحتلالي أصلاً في اللغة والعرق، ويشترك البعض من الشعب الأحوازي معه في المذهب فقط. وقد حاولت السلطات الإيرانية إضعاف القومية العربية من خلال الانتقاص من اللغة العربية، وتعظيم اللغة الفارسية، وفرض سياسات تجمع بين التوجُّه القومي الآري والتشيع بطبيعته الفارسية، بصفتهما المصدرين الأساسيين للثورة الإيرانية بمحتواها التاريخي والجغرافي والقومي الفارسي؛ وقد أدى هذا التوجه إلى إثارة الأقلية العربية التي رأت فيه نظرة عنصرية مقيتة تقوم على تعزيز ثقافة التفرُّد للعنصر الفارسي، بصفته شعب الله الذي اصطفاه لحمل رسالة الإسلام الحق، وأن هذا الشعب وقيادته هما وحي الدين (الإسلام)، وأن الله وعده بحمل رسالة الاستخلاف في الأرض. وقد ساعدت هذه السياسات والأفكار على تربية أجيال من الفرس الإيرانيين يكرهون العرب، ويحمِّلون الفتح العربي الإسلامي لإيران مسؤولية تدمير الحضارة الفارسية؛ وهو ما انعكست آثاره بوضوح في التعليم والسياسة والاجتماع والإعلام والسينما والمسرح والأدب. وقد أسهمت هذه السياسات والإجراءات في تصوير العرب في إيران طائفةً منبوذةً عليها تحمُّل وزر دمار الحضارة الفارسية واندثارها مع غرمائهم العرب خارج جغرافيا الحدود الإيرانية.
- الأداة الاقتصادية والاجتماعية: سعت الدولة المركزية في إيران إلى إضعاف الشعب الأحوازي اقتصادياً؛ فبرغم أن إقليم الأحواز يمثل الشريان الاقتصادي للدولة الإيرانية؛ حيث تتركز فيه حقول النفط الضخمة، التي بفضلها أصبحت إيران من أكبر دول العالم المصدرة للنفط؛ فإن الإقليم يُعد من أشد المناطق فقراً مقارنة بالمناطق الأخرى؛ فقد تعمدت السلطات انتهاج سياسة تستهدف إفقار الأحوازيين؛ وهو ما ظهر بوضوح في انتشار البطالة في الإقليم المحتل، وتدني معدل التنمية الاقتصادية الذي يعد الأدنى مقارنة مع بقية المناطق الإيرانية.
وبالإضافة إلى سياسة الإفقار، التي اتبعتها الدولة المركزية تجاه إقليم الأحواز، فقد قامت كذلك بالاستيلاء على الأراضي الزراعية العربية، وعلى مياه الشرب التي تم تحويلها إلى المناطق الفارسية، وأقامت كذلك مستوطنات فارسية في الإقليم بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية العربية،11 كما قامت السلطات الإيرانية بحملات ممنهجة لتفريس الأحواز، وتهجير الأسر العربية، والاستيلاء على أراضيها، لإحلال الأسر الفارسية محلها. وهذا بالإضافة إلى استخدام أبشع أساليب القمع والاضطهاد بحق السكان العرب؛ ما دفع الأقلية العربية إلى تشكيل معارضة سياسية ومسلحة باتت تدافع من خلالها عن هويتها، وقد زادت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى مواجهات عسكرية مع تلك الأقلية؛ وما يميز المناطق التي تعيش فيها الأقلية العربية هو امتدادها من الناحية الجغرافية؛ فلا يفصل بينها ولايات فارسية أو قومية أخرى.
ثالثاً: مستقبل إقليم الأحواز
في ظل هذه الأوضاع، التي تعيشها الأحواز والشعب الأحوازي، والبيئة الصراعية الإقليمية والدولية التي تعيشها إيران في هذه المرحلة، يبرز التساؤل حول مستقبل الإقليم، وحول مدى قدرته على التغلب على التوجهات الإيرانية للسيطرة عليه وإبقائه ضمن الدولة الإيرانية.
وواقع الأمر أن الشعب الأحوازي يعد من أكثر الشعوب الذي يسعى إلى الهروب من المركز، والاتحاد مع القومية العربية الموجودة خلف الحدود في الدول المجاورة، ولاسيما دول الخليج، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة من بينها وجود نقاط كثيرة مشتركة مع الدول المجاورة لإقليم الأحواز، أهمها العرق، والمعاناة التي يعيشها الشعب الأحوازي في ظل وجوده في إطار الدولة الإيرانية المحتلة للأحواز، وهذا فضلاً عن البيئتين الإقليمية والدولية الصراعيتين المحيطتين بإيران، وسياسات الجمهورية الإيرانية التدخُّلية التي استنزفت إمكانيات الدولة الاقتصادية، وشغلتها عن التنمية الداخلية؛ ولاسيما في الأحواز. وقد أضعف العاملان الأخيران قدرات الدولة المركزية، وزادا من طموحات الشعب الأحوازي ومساعيه للتحرر من سطوة الدولة الفارسية، وذلك حسب سُنة التاريخ الإيراني، الذي يفترض دوماً أنه في حال ضعف الدولة المركزية ازداد طموح الشعوب للتحرر.
غير أن إيران تحاول التغلب على هذه العوامل، والحد من طموحات الشعزب المحتلة، ومنها الشعب الأحوازي، من خلال إثارة النزاع بين هذه الأقليات؛ الأمر الذي عاد بفائدة كبيرة على الدولة الفارسية في أوقات سابقة. ومن ثم تحاول الجمهورية الإيرانية الآن مفاقمة التوترات بين مكونات الشعب في الأحواز، واستغلال الخلاف المذهبي السني–الشيعي، ومحاولة تفجيره على غرار استراتيجية إيران في العراق وفي أفغانستان وباكستان، وإثارة الخلافات القومية بين الشعب العربي في الأحواز والشعوب الأخرى مثل البلوش، ولاسيما في الولايات الشرقية والجنوبية، حيث تعيش هاتان المجموعتان بالقرب من بعضهما بعضاً.
وما تراهن عليه طهران، حالياً، هو حالة التفكك التي تعاني منها المعارضة الأحوازية بشتى صنوفها وأشكالها، والتي لم تصل إلى مرحلة من شأنها تغيير المعادلة على الأرض؛ ما يجعلها ضعيفة أمام سطوة الدولة الإيرانية، ولا مجال لانتصار الأحوازيين العرب إلا من خلال توحيد مختلف القوى حول قيادة قوية قادرة على مقارعة السلطة المركزية في طهران، خاصة أن المعارضة الأحوازية مازالت مفكَّكة ضعيفة، ولا تملك زمام المبادرة؛ ما شجَّع إيران على اعتماد خيار تصفية قادة هذه المعارضة، وينبغي لهذه المعارضة، التي باتت تملك حركات تحررية تتزايد قوتها يوماً بعد يوم، أن تنتهز ما سيترتب على إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران من إضعاف للدولة المركزية؛ ما قد يزيد فرصها لتحقيق أهدافها؛ حيث قد توفر البيئة الصراعية مع الولايات المتحدة الأمريكية فرصة للشعب العربي في الأحواز للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل النضال في مواجهة الدولة الإيرانية.