مناهضون
في قلب أرض الأحواز الغنية، لا تمثّل حقول قصب السكر المترامية الأطراف مجرد مشاريع زراعية صناعية، بل هي مشاريع استعمارية مقنّعة يديرها الحرس الثوري الإيراني ببراعة، هذه ليست مجرد استثمارات اقتصادية، بل أدوات قمعية مغلفة بالسكر، تُستخدم لترسيخ الهيمنة ومصادرة الأراضي والقيام بعملية احتلال عرقي صامت وممنهج ضد السكان العرب الأصليين. ما يجري هو إعادة تشكيل ديموغرافي قسري يهدف إلى إضعاف الوجود العربي في هذه المنطقة الإستراتيجية.
الحرس الثوري؛ مهندس “حقول التهجير” والسيطرة الاقتصادية:
إن الادعاء بأن شركات قصب السكر في الأحواز هي كيانات اقتصادية مستقلة هو كذبة فاضحة. فخلف كل مصنع وكل هكتار من الأراضي المستولى عليها، تقف بصمة الحرس الثوري الإيراني، عبر شبكة معقدة من الشركات التابعة ومؤسساته الاقتصادية العملاقة، أبرزها مؤسسة “خاتم الأنبياء للإعمار” التي تأسست عام 1989 بعد الحرب العراقية الإيرانية (المركز العربي للبحوث والدراسات، 2018).
يضخ الحرس الثوري استثماراته في هذه المشاريع ليس فقط لجني الأرباح الهائلة من السكر ومشتقاته، بل لتعزيز قبضته المالية على الاقتصاد وفتح جبهة جديدة لسيطرته الأمنية في منطقة حيوية. إن كل شتلة قصب تُزرع هي غرسة لاحتلال جديد ونفوذ للحرس الثوري في عمق الأحواز.
بالنسبة للحرس الثوري، هذه الحقول هي ساحات معركة. فمن خلالها يتم تحقيق أهداف أمنية واستراتيجية أبعد بكثير من مجرد إنتاج السكر. إنها وسيلة لتهجير السكان الأصليين، وتقويض ارتباطهم بأرضهم، وإحلال قوة عاملة من خارج المنطقة، مما يخدم أجندة “احتلال ديموغرافي” ممنهجة.
لا يمكن فصل شركات قصب السكر عن السلوك القمعي للحرس الثوري. أي احتجاج، سواء من عمال يطالبون بحقوقهم أو سكان يدافعون عن أراضيهم، يُقابل بقمع وحشي، اعتقالات عشوائية، وأحكام قاسية، كما حدث خلال احتجاجات عمال قصب السكر في السوس عام 2018، حيث تم اعتقال عدد من العمال والنقابيين وتعرض بعضهم للتعذيب.
حقول قصب السكر؛ مقبرة الحياة والأرض الأحوازية:
ما خلفته هذه المشاريع ليس فقط السكر، بل مرارة النزوح والدمار البيئي والاجتماعي. مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة، التي كانت ملكاً للأهالي العرب لأجيال، تم الاستيلاء عليها بقوة الدولة، وغالباً دون تعويض عادل أو بدائل للعيش. وقد بدأت مشاريع قصب السكر منذ التسعينيات في عهد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني.
لقد تسببت هذه المشاريع في تدمير بساتين النخيل، وتجفيف الأهوار التي كانت مصدراً للحياة والرزق (مثل هور العظيم وهور الدورق)، وتحويل المجاري المائية لصالح زراعات القصب النهمة للمياه، كل ذلك أدى إلى اقتلاع مئات الآلاف من السكان من بيئتهم الطبيعية التي لا يمكنهم العيش بدونها. هم ليسوا لاجئين داخليين فحسب، بل هم ضحايا تطهير بيئي وإنساني في سياق الاحتلال.
یذور آپأن الحرس الثوري قد افتعل الفيضانات التي اجتاحت 9 مدن و200 قرية في الأحواز عام 2019، بسبب منعهم تحويل المياه نحو الأهوار لحماية منشآت النفط ومزارع قصب السكر التابعة لشركاتهم.
التلوث السام و التغيير الديموغرافي ثمن السكر:
لا يقتصر الأمر على استنزاف المياه في منطقة تعاني من الجفاف، بل يمتد ليشمل التلوث الكارثي الناجم عن حرق حقول القصب والمخلفات الصناعية. إنها سموم يومية تُطلق في هواء الأحواز ومياهها، مسببة أمراضاً لا تحصى وتدميراً بطيئاً للحياة، تحت ستار الاحتلال. مشكلة ارتفاع نسبة ملوحة المياه في شط العرب تعود إلى عام 2000 بسبب مشاريع قصب السكر، مما أدى إلى احتجاجات شعبية في 2001.
بينما يُهجّر السكان العرب قسراً، تُجلب أعداد هائلة من العمال من مناطق أخرى في إيران، ليس لملء نقص في الأيدي العاملة المحلية، بل لتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة. إن الهدف ليس توفير وظائف، بل إحلال سكان جدد لكسر التماسك الاجتماعي والثقافي للأحوازيين، في عملية احتلال ديمغرافي. هذا الأمر ليس بجديد، ففي عام 2005، اندلعت احتجاجات في الأحواز على مذكرة مسربة اقترحت إعادة توطين العرب خارج الاحواز وجلب غير العرب إليها.