مناهضون
في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، شهد العراق تحولات كبيرة على الصعيدين السياسي والعسكري، خاصة مع تصاعد التهديدات الإرهابية التي عصفت بالبلاد.
فكان من بين أبرز التحولات التي ظهرت خلال هذه الفترة كان تأسيس “الحشد الشعبي”، الذي أصبح فيما بعد أحد أبرز القوى العسكرية في العراق.
بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، دخل العراق في مرحلة من الفوضى السياسية والانقسامات الطائفية، التي أسهمت في خلق بيئة خصبة لنشوء جماعات متطرفة.
وفي عام 2014، ومع ظهور تنظيم “داعش” وسيطرته على أجزاء واسعة من البلاد، كان العراق يواجه تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، ومع انهيار العديد من القوات الأمنية العراقية أمام تقدم “داعش”، أصبح من الضروري البحث عن قوى جديدة للدفاع عن البلاد لتتشكل تلك الميليشيات عبر هذه الأكذوبة لتصبح أداة للتحكم في العراق
فتوى الجهاد الكفائي
تعود بداية تشكّل الحشد الشعبي إلى فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع الديني الأعلى في العراق، آية الله العظمى السيد علي السيستاني، في 13 يونيو 2014.
ودعا السيستاني العراقيين إلى حمل السلاح والدفاع عن البلاد ضد التهديدات الإرهابية، هذه الفتوى كانت بمثابة دعوة شاملة للمواطنين للدفاع عن وطنهم، وأدت إلى تشكيل مجموعات مسلحة من المتطوعين الذين استجابوا للنداء بشكل واسع.
تطور الحشد الشعبي
بدأت مجموعات من المتطوعين بالانضمام إلى الحشد الشعبي في الأيام والأسابيع التي تلت فتوى السيستاني.
وانخرطت هذه المجموعات في مواجهة تنظيم “داعش” في مختلف مناطق العراق، وخاصة في المدن والمناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها.
تدريجيًا، تطور الحشد الشعبي ليصبح قوة منظمة تضم عدة فصائل مسلحة.
تألف الحشد الشعبي في البداية من مجموعات شيعية بالأساس، لكن مع مرور الوقت، انضمت إليه بعض الفصائل السنية والمسيحية، وحتى من الإيزيديين، ليصبح الحشد قوة متعددة الطوائف، وقد أصبح الحشد الشعبي عنصرًا أساسيًا في المعارك الكبرى ضد تنظيم “داعش
الدعم الحكومي والتنظيم وفي عام 2016، تم إقرار قانون من قبل البرلمان العراقي يقضي باعتبار الحشد الشعبي قوة رسمية ضمن القوات المسلحة العراقية، هذا القانون أضفى على الحشد شرعية رسمية وأكد على دوره في حماية أمن العراق.
التأثير السياسي والاجتماعي
ومع انتهاء الحرب ضد “داعش”، لم يتراجع دور الحشد الشعبي، بل تحول إلى قوة ذات تأثير سياسي كبير.
فالعديد من قادة الحشد أصبحوا شخصيات سياسية بارزة، وقاموا بتشكيل تحالفات سياسية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية.
ووجود الحشد الشعبي في الحياة السياسية أثار جدلاً واسعًا، خاصة في ظل الاتهامات التي توجه إليه بالتورط في أعمال انتقامية واستهداف بعض الأقليات.
التحديات الأمنية التي واجهت العراق قبل ظهور الحشد الشعبي
قبل ظهور تنظيم “داعش”، كانت العراق تعاني من انهيار البنية التحتية الأمنية، وتفشي الفساد داخل الأجهزة الأمنية، وفقدان الثقة بين المكونات المختلفة للمجتمع العراقي.
هذه العوامل، مجتمعة، جعلت من الصعب على الحكومة العراقية التصدي للتهديدات الأمنية المتزايدة.
وعندما بدأت “داعش” في التوسع والسيطرة على المدن العراقية الرئيسية مثل الموصل والأنبار، أصبحت الحكومة العراقية في موقف دفاعي ضعيف.
الدور الإيراني في دعم الحشد الشعبي
إلى جانب الدعم الحكومي، كان لإيران دور كبير في تأسيس ودعم الحشد الشعبي.
فبعض الفصائل الرئيسية التي تشكلت في إطار الحشد كانت تتلقى دعماً مباشراً من طهران، سواء من خلال التدريب أو التسليح.
وإيران رأت في الحشد الشعبي فرصة لتعزيز نفوذها في العراق، ولتكوين حليف استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة أي تهديدات إقليمية.
ومع تزايد قوة الحشد، أصبح من الواضح أن بعض الفصائل كانت تعمل بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، مما أثار قلقًا دوليًا ومحليًا من تأثير إيران المتزايد في الشؤون الداخلية للعراق.
البنية التنظيمية للحشد الشعبي
على الرغم من تشكّل الحشد الشعبي من فصائل متنوعة، إلا أن هذه الفصائل كانت تعمل تحت مظلة قيادية موحدة.
وتشكلت هذه القيادة المركزية للحشد من خلال لجنة عليا تشرف على التخطيط والتنسيق بين مختلف الفصائل، كما تم إنشاء نظام هرمي يسمح بتوزيع المهام والمسؤوليات بشكل فعال.
البنية التنظيمية للحشد الشعبي كانت مستوحاة من التنظيمات العسكرية التقليدية، حيث تم تقسيم الوحدات إلى ألوية وفصائل، كل منها لديه قائد ميداني يتبع الأوامر من القيادة العليا.
هذا التنظيم ساعد في توحيد الجهود العسكرية للحشد، وجعله قادراً على تنفيذ عمليات معقدة ومؤثرة على أرض المعركة.
الحشد الشعبي وأكذوبة العمليات العسكرية الكبرى
ومنذ لحظة تشكّله، ردد مقربون من الحشد الشعبي بأن له دور محوري في عدة عمليات عسكرية رئيسية، واحدة من أولى وأهم هذه العمليات كانت معركة تحرير مدينة تكريت في 2015.
وبالفعل، نجحت القوات المشتركة، بمشاركة الحشد، في تحرير المدينة، مما رفع من معنويات العراقيين وأكد على أهمية الحشد في مواجهة الإرهاب.
وتلت معركة تكريت عمليات عسكرية أخرى كان للحشد فيها دور محوري، مثل معركة تحرير الفلوجة ومعركة تحرير الموصل، التي كانت أكبر وأهم المعارك ضد “داعش”.
وفي كل هذه العمليات، أظهر الحشد الشعبي قدرة كبيرة على التنسيق مع القوات المسلحة العراقية، وحقق انتصارات استراتيجية كانت لها تأثيرات كبيرة على الأرض، ليصبح هو المتحكم فيما بعد في نفوذ الدولة العراقية.
التحديات الداخلية للحشد الشعبي
ورغم النجاحات العسكرية، واجه الحشد الشعبي تحديات داخلية هائلة. من أبرز هذه التحديات كان الانقسام الداخلي بين الفصائل المختلفة.
فبعض الفصائل كانت تتمتع بولاءات مختلفة، سواء للحكومة العراقية أو للقوى الإقليمية مثل إيران، مما جعل التنسيق بينها صعبًا في بعض الأحيان.
كما أن تعدد الفصائل واختلاف أهدافها تسبب في نشوء خلافات حول كيفية استخدام القوة وما هي الأهداف الاستراتيجية التي يجب التركيز عليها.
هذا التنوع في الرؤى كان يؤدي أحياناً إلى صدامات داخلية، وهو ما هدد بتفكيك وحدة الحشد في بعض المراحل.
الحشد الشعبي بعد “داعش”
ومع القضاء على التواجد الكبير لتنظيم “داعش” في العراق، واجه الحشد الشعبي تحديات جديدة تتعلق بمستقبله ودوره في البلاد.
فالبعض يرى أن الحشد الشعبي يجب أن يندمج بالكامل في القوات المسلحة العراقية ويصبح جزءاً منها، بينما يرى آخرون ضرورة الحفاظ على استقلاليته كقوة رديفة ومستقلة لضمان استقرار العراق في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه الحشد تحديات تتعلق بتأثيره السياسي، فتزايد نفوذ الحشد في الساحة السياسية العراقية أثار قلق بعض الأطراف التي تخشى من أن يتحول الحشد إلى قوة سياسية مهيمنة قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد.
التأثير الإقليمي والدولي للحشد الشعبي
لا يمكن فهم دور الحشد الشعبي دون النظر إلى السياق الإقليمي والدولي، فنجاح الحشد في العراق أضاف قوة جديدة إلى المعادلة الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
والعديد من الدول المجاورة للعراق، وخاصة تلك التي لديها علاقات متوترة مع إيران، كانت تشعر بالقلق من تنامي قوة الحشد ودوره المستقبلي في العراق والمنطقة.
فعلى المستوى الدولي، كانت هناك محاولات لفرض ضغوط على الحكومة العراقية لتقليص نفوذ الحشد، خاصة من الدول الغربية التي كانت تخشى من تأثير إيران عبر هذه القوة، ومع ذلك، استطاع الحشد الشعبي الحفاظ على دوره واستمراره كقوة رئيسية متحكمة في العراق وتنفذ أجندات إيران ببلاد الرافدين لتصبح الثورة الشعبية الأمل الوحيد للتخص من الحشد وميليشياته التابعة لإيران في العراق.