مناهضون
في عالم السياسة والدبلوماسية، تظهر شخصيات تصنع لنفسها هالة مصطنعة بينما حقيقتها لا تتعدى كونها واجهة زائفة لنظام غارق في الأزمات والعداء، من بين هؤلاء يبرز اسم عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني السابق وأحد أبرز مهندسي ما سُمي بالاتفاق النووي، فعراقجي ليس رجل دولة حقيقي بقدر ما هو ممثل بارع في مسرحية إيرانية طويلة قوامها المراوغة والكذب السياسي.
ـ النشأة والتكوين:
وُلد عراقجي عام 1962 في طهران، وتخرج من جامعة الإمام الصادق، المعروفة بأنها مصنع لتخريج كوادر النظام الإيراني الأكثر ولاءً لولاية الفقيه.
هذه المؤسسة لم تكن يوماً مجرد جامعة، بل مركز تعبئة فكرية وأيديولوجية، حيث يُصاغ الطلاب على مقاس المشروع الثيوقراطي الحاكم.
ومن هنا، لم يخرج عراقجي إلا ليكون أداة وظيفية، منفذًا مطيعًا، بلا استقلالية فكرية أو رؤية وطنية خارج إطار ما يرسمه المرشد الأعلى والحرس الثوري.
ـ الصعود داخل الخارجية:
بدأ عراقجي مساره داخل وزارة الخارجية بخطوات مدروسة، مستفيداً من قدرته على إتقان الإنجليزية وخطابه المتزن ظاهرياً.
لكنه لم يكن يوماً صاحب قرار، بل مجرد موظف ولاء سياسي يتدرج بالمناصب لأنه يُتقن ما يريده النظام: إطالة الوقت، إخفاء الحقائق، وتجميل الصورة القبيحة للنظام الإيراني أمام العالم.
برز اسمه بقوة خلال المفاوضات النووية مع مجموعة (5+1)، حيث لعب دور المتحدث الناعم باسم إيران، محاولاً إقناع المجتمع الدولي بأن طهران تبحث عن “التفاهم والسلام”، بينما كانت على الأرض تسرّع من تخصيب اليورانيوم وتواصل أنشطتها العسكرية الموازية.
ـ أسلوبه في التفاوض:
عرف عراقجي بأنه رجل المناورة وإضاعة الوقت، فخلال سنوات المفاوضات النووية، لم يكن يسعى لحلول جذرية، بل لاستخدام لغة دبلوماسية فضفاضة، تُرضي القوى الكبرى شكلياً، بينما تُكسب إيران فسحة زمنية للمضي في مشروعها النووي.
كان يطرح نفسه على أنه “عقلاني” و”هادئ”، لكن خلف هذا الوجه الدبلوماسي كان يخفي تكتيكات المراوغة الإيرانية التقليدية: لا التزام، لا شفافية، وإنما تغليف الأكاذيب بخطاب منمق.
ـ الانتقادات الموجهة إليه:
يُنظر إليه في الغرب كأحد أبرز مهندسي الخداع النووي، الذي ساهم في توقيع اتفاق هش سرعان ما كشف زيفه.
في الداخل الإيراني، لا يُعتبر عراقجي رجل دولة مستقل، بل “بيدق مطيع” يُنفذ سياسات تملى عليه من المرشد خامنئي.
إقليميًا، يُتهم بأنه الوجه الذي يسعى إلى شرعنة التدخلات الإيرانية في المنطقة عبر تصويرها بأنها “خيارات استراتيجية مشروعة”، بينما هي في حقيقتها تدخلات عدوانية أشعلت الصراعات من العراق إلى سوريا واليمن ولبنان.
يُتهم بأنه يستعمل الدبلوماسية كـ”واجهة دخان”، بينما تُدار السياسات الحقيقية عبر الحرس الثوري.
ـ وجه آخر للنظام:
ما يجعل عراقجي محل انتقاد واسع أنه ليس استثناءً داخل المنظومة الإيرانية، بل صورة مكررة لنهج مأزوم قائم على ازدواجية الخطاب: وجه ناعم يتحدث في المؤتمرات الدولية، ووجه آخر دموي يُترجم عبر دعم الميليشيات ونشر الفوضى، هو ببساطة الغطاء الذي يحاول النظام من خلاله إخفاء ملامحه القمعية.
ـ ازدواجية الشخصية السياسية:
أمام الإعلام: رجل هادئ، يستخدم لغة “الاعتدال”، يدعو للحوار، ويظهر بمظهر الباحث عن حلول.
خلف الأبواب المغلقة: منفذ لسياسات قائمة على التعنت، التلاعب، وكسب الوقت، يخدم مشروعاً توسعياً هدفه فرض الهيمنة الإيرانية.