مناهضون
تُعد ظاهرة عمالة الأطفال جرحًا غائرًا في جسد الإنسانية جمعاء، لكنها في الأحواز المحتلة تتحول إلى مأساة مضاعفة، وصمة عار على جبين كل من يصمت عنها. فبينما كان من المفترض أن تتفتح زهور الطفولة على عتبات المدارس وتترعرع في رياض اللعب، نراها هنا تُقذف قسرًا إلى أتون العمل الشاق، لتُباع براءتها دراهم معدودة، ويُسرق مستقبلها على مذبح الحاجة التي صنعها الاحتلال. إنها فصول مؤلمة من معاناة شعب أبيّ يُكابد سطوة غاشمة تسعى لسلبه كل مقومات الوجود، بدءًا من أطفاله.
جذور المأساة؛ احتلال ينهب ويُفقر:
ليست عمالة الأطفال في الأحواز المحتلة مجرد نتيجة لظروف اقتصادية عابرة، بل هي حلقة من حلقات سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال الإيراني، هدفها تجفيف منابع الحياة الكريمة عن أهل الأحواز، وإخضاعهم بشتى الطرق.
فقر مُتعمّد وبطالة مُستشرية:
الأحواز، هذه الأرض التي تسبح فوق بحار من النفط والغاز، وتحتضن كنوزًا لا تُعد ولا تُحصى من الثروات الطبيعية، تُعاني من أشد درجات الفقر والبطالة بين أبنائها الأصليين. ففي الوقت الذي تُنهب فيه خيرات الأحواز وتُحوّل عائداتها لتمويل مشاريع الاحتلال وسياساته التوسعية، يُحرم الأحوازيون من أبسط حقوقهم في التنمية والعيش الكريم. هذا الواقع يدفع بالأسر إلى حافة الهاوية، فلا تجد مفرًا سوى إرسال أطفالها إلى سوق العمل، مهما كانت قسوته ومخاطره، لتأمين قوت يومهم.
تجفيف منابع التعليم واغتيال الهوية:
التعليم هو مفتاح المستقبل وحصن الهوية، ولكن سلطات الاحتلال تُمعن في تهميشه بالأحواز. فمن قلة المدارس وضعف جودتها، إلى محاربة اللغة العربية ومنع تدريسها، وصولًا إلى غياب الفرص الأكاديمية والمهنية اللائقة لأبناء الأحواز، تُدفع الأجيال الناشئة قسرًا نحو الجهل أو العمل المبكر. هذا المسار المُخطط له لا يهدف فقط إلى تكريس فقر الأفراد، بل إلى طمس هويتهم وشل قدرتهم على المقاومة.
التهميش والإقصاء الممنهج:
يُمارس الاحتلال سياسات تمييزية صارخة ضد الشعب العربي الأحوازي في كل مناحي الحياة السياسیة، الاقتصادیه، الثقافية، والخدمات الأساسية. هذا التهميش الممنهج يُضعف النسيج المجتمعي، ويُقوّض قدرة الأسر على الصمود في وجه التحديات، مما يجعلها فريسة سهلة لدفع أطفالها إلى سوق العمل كحل أخير وبائس.
الكوارث البيئية المُفتعلة:
لم تسلم بيئة الأحواز من أيادي الاحتلال العابثة. فبتحويل مجاري الأنهار العذبة وتجفيف الأهوار الغنية، التي كانت تُعد شريان الحياة الاقتصادي للعديد من القرى والأسر الأحوازية، تم تدمير القطاع الزراعي بشكل شبه كامل. هذه الكوارث البيئية المُفتعلة أجبرت عشرات الآلاف على النزوح والبحث عن أي مصدر رزق، وغالبًا ما يكون أطفال هذه الأسر هم وقود هذه المعاناة، يُزج بهم في أعمال لا تليق بأعمارهم.
طفولة مسروقة و مستقبل مجهول:
تتعدد أشكال عمالة الأطفال في الأحواز المحتلة، فمنهم من يُرمى في ورش صناعية بدائية تنعدم فيها أبسط شروط السلامة، وآخرون يُساقون إلى أعمال البناء الشاقة التي تُفتك بأجسادهم الغضّة، أو يُجبرون على بيع السلع المتجولة في الشوارع تحت أشعة الشمس الحارقة أو في برد الشتاء القارص. هناك من يُكلف بجمع النفايات، ومن يعمل في حقول زراعية قاحلة، كل ذلك بأجور زهيدة لا تكاد تسد رمقهم، ودون أي حماية قانونية أو اجتماعية من قبل سلطات الاحتلال التي تتجاهل تمامًا هذه الانتهاكات الصارخة.
إن تبعات هذه الظاهرة كارثية ومدمرة؛ فهي لا تحرم الطفل من حقه الأصيل في التعليم واللعب والنمو الطبيعي فحسب، بل تُشوّه شخصيته، وتُفقده الثقة بمستقبله، وتُلقي به في دائرة مفرغة من الفقر والحرمان. وهكذا، يتوارث هذا العوز من جيل إلى جيل، مما يُعيق أي محاولة لنهضة المجتمع الأحوازي، ويُكرّس حالة التبعية والضعف التي يسعى الاحتلال لفرضها.
إن قضية عمالة الأطفال في الأحواز المحتلة ليست مجرد إحصائيات وأرقام، بل هي صرخة استغاثة من قلوب بريئة تُنهشها قسوة الواقع. إنها دعوة ملحّة لكل ضمير حي، ولكل منظمة حقوقية وإنسانية، ولكل من يؤمن بالعدالة والإنصاف، للوقوف صفًا واحدًا ضد هذا الظلم الممنهج.
يجب أن تتضافر الجهود لفضح سياسات الاحتلال التي تُفقر الأحوازيين، والضغط بكل السبل لإنهاء هذه المعاناة.