مناهضون
منذ تأسيسه، لعب الوفد الثلاثيني الأحوازي دورًا مهمًا في الساحة السياسية، حيث تمثل في تلك الفترة إرادة شعبية واسعة تسعى لتحقيق الحقوق المشروعة للأحوازيين الذين عانوا من التهميش والاضطهاد من قبل سلطات الاحتلال الإيراني، هذا الوفد الذي تشكل على خلفية مطالبات حيوية للحقوق، يمثل أحد المحطات البارزة في تاريخ الأحواز العربي في مواجهة نظام الحكم الإيراني في فترة ما بعد الثورة الإسلامية.
التكوين والدوافع وراء تأسيس الوفد الثلاثيني:
كان للشيخ آية الله محمد طاهر الخاقاني دور كبير في تشكيل هذا الوفد، وهو الذي قاد الحراك الشعبي في الأحواز من خلال دعمه المستمر للمطالبة بحقوق العرب الأحوازيين.
ولكن الخاقاني لم يكن يرأس الوفد من الناحية العملية، بل كان يشرف عليه روحيًا باعتباره الزعيم الديني والسياسي الذي كان يشهد له الجميع بدوره البارز في تحفيز الجماهير للضغط على نظام الاحتلال الإيراني لتحقيق مطالبهم.
وكان الوفد الثلاثيني الذي توجه إلى طهران، يتكون من مجموعة من الشخصيات السياسية والدينية والثقافية، معظمهم من المحمرة ومدن أخرى في الأحواز.
وكان الهدف من تشكيل هذا الوفد هو تقديم قائمة من المطالب المشروعة لحكومة الاحتلال الإيراني التي كانت قد وعدت بها الأقليات غير الفارسية بعد الثورة، وعلى رأسها الشعب العربي الأحوازي.
ومن بين هذه المطالب كانت إيقاف السياسات الاستفزازية التي تبنتها المؤسسات المدعومة من الحكومة المحلية، مثل الحرس الثوري و”اللجان الثورية الإسلامية”، التي كانت تعمل على قمع الحقوق المشروعة للعرب الأحوازيين ومنعهم من المشاركة السياسية والثقافية في بلادهم.
القيادة الروحية والعملية للوفد:
ورغم أن الوفد لم يكن يضم رئيسًا رسميًا، إلا أن الشيخ مهدي الخاقاني، شقيق الشيخ محمد طاهر، كان يشغل منصب المتحدث الرسمي والناطق باسم الوفد.
وفي هذا السياق، كان الشيخ مهدي هو الذي يقود المحادثات مع السلطات الإيرانية، وهو الذي كان يتحدث باسم الوفد خلال زياراته ومفاوضاته، وقد تمت هذه العملية بالتنسيق مع العديد من الشخصيات المؤثرة في الأحواز، وبدعم واسع من الجماهير التي كانت تطالب بحقوقها المشروعة.
فيما أشار أحد المشاركين في الوفد، الأستاذ جابر السيد أحمد، في مذكراته التي وثق فيها تفاصيل هذه الزيارة، إلى أهمية الوفد الثلاثيني في توثيق المطالب الأحوازية وتقديمها بصورة رسمية إلى الحكومة الإيرانية.
ووفقًا للوثائق المتاحة، كان الوفد يطالب بوقف الممارسات القمعية وإلغاء كافة السياسات التي تهمش حقوق العرب الأحوازيين، بما في ذلك الحق في التعليم بلغتهم الأم والتمثيل السياسي المناسب.
التحديات والصراعات الداخلية:
وكان الوفد، رغم جمعه لأسماء بارزة من مختلف الفئات الاجتماعية، يعاني من تحديات داخلية متعددة، أبرزها تعدد القيادات السياسية والدينية ووجود تضارب بين الأهداف والسياسات المختلفة لكل منهم، إذ كانت بعض الشخصيات ترى أن المفاوضات مع حكومة الاحتلال الإيراني قد تكون بداية لتحسين وضع الأحوازيين داخل الدولة الإيرانية، بينما كان البعض الآخر يعتقد أن هذه المفاوضات لن تأتي بنتائج ملموسة طالما أن النظام الإيراني لم يظهر إرادة حقيقية للاعتراف بحقوق الشعب الأحوازي.
كما ظهرت بعض المشكلات التنظيمية داخل الوفد، حيث كان هناك عدم توافق كامل بشأن المطالب المقدمة، فبينما كان البعض يدعو إلى المطالبة بالاستقلال، كان آخرون يفضلون الانخراط في مفاوضات مع حكومة الاحتلال الإيراني في إطار الحفاظ على وحدة الدولة.
الوفد الثلاثيني: الأسماء والتفاصيل:
تعددت أسماء أعضاء الوفد الثلاثيني، حيث ضم مجموعة من الشخصيات البارزة من مختلف التخصصات، منهم شخصيات دينية مثل سيد شعاع النزاري وسيد عبد الصاحب الموسوي، وشخصيات سياسية وثقافية مثل فاخر مجيد الزركاني ومنصور مناحي حمود البريه.
وشملت قائمة الأعضاء أيضًا ناشطين سياسيين وصحفيين من بينهم يوسف عزيزي بني طرف وعبد الوهاب الخانجي، بالإضافة إلى رجال قانون مثل علي الواثقي والحاج جبار الطائي.
كل هؤلاء الأفراد كانوا يمثلون تيارات متنوعة داخل المجتمع الأحوازي، من الناشطين السياسيين إلى المثقفين والأدباء الذين ساهموا في توثيق هذه المرحلة من تاريخ الأحواز.
مطالب الوفد:
البداية كانت بالاعتراف بقومية الشعب العربي ووضع ذلك في دستور ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتشكيل مجلس محلي في منطقة الحكم الذاتي، تكون مهمته وضع القوانين المحلية والإشراف على تنفيذها،ثم جاء تشكيل محاكم عربية من أجل حل مشكلات الشعب العربي في إيران مطابقة إيران، لكن هذه المادة لم تتم من الخطة المقدمة إلى الحكومة الموقتة، واستمرت المحاكم في الإقليم على روتينها الملكي السابق ومحاكمة العرب.
بالإضافة إلى فرض التعليم باللغة العربية في المدارس الابتدائية، كما أن تعليم اللغة الفارسية مضموناً في منطقة الحكم الذاتي، وتدشين جامعة باللغة العربية في المنطقة، والتأكيد على حرية التعبير والنشر وطبع الكتب وإصدار الجرائد، وإيجاد البرامج الإذاعية والتلفزيونية باللغة العربية المستقلة عن الشبكة العامة، وإعادة تسمية جميع المدن والقرى والأرياف والمناطق بأسمائها التاريخية العربية، مع مشاركة أبناء الشعب العربي في الجيش وقوات الأمن المحلية في إطار الحكم الذاتي وإمكان تبوؤ المناصب الرفيعة العسكرية التي حرموا من الوصول إليها سابقاً.
التوثيق والذاكرة التاريخية:
من خلال مذكرات الكاتب والمثقف الأحوازي جابر السيد أحمد، التي تعتبر مصدرًا أساسيًا لتوثيق هذه الحقبة، نجد أن الوفد الثلاثيني لم يكن مجرد وفد سياسي، بل كان تعبيرًا عن الحركة الشعبية في الأحواز، وكانت مطالبهم هي مطالب جماعية تعكس الواقع الذي كان يعيشه الشعب الأحوازي في ذلك الوقت، وقد كانت هذه المذكرات مرجعًا مهمًا للمؤرخين والباحثين في مجال دراسة حركات التحرر الوطني في المنطقة العربية.
ومن الجدير بالذكر أن الوفد الثلاثيني لم يكن أول محاولة من قبل الأحوازيين للتعبير عن مطالبهم، بل كان حلقة في سلسلة طويلة من الاحتجاجات والتحركات السياسية التي بدأها الأحوازيون منذ سنوات طويلة ضد السياسات الإيرانية، وقد استمرت هذه التحركات رغم القمع والتهديدات التي تعرض لها الكثير من أفراد الحركة الأحوازية.
ويمكن اعتبار الوفد الثلاثيني الأحوازي أحد الرموز البارزة في النضال الأحوازي ضد الهيمنة الإيرانية، فالتنظيم السياسي لهذه الحركة رغم الصعوبات الداخلية والخارجية التي واجهتها، يعكس التحدي الكبير الذي كان يواجهه الشعب العربي الأحوازي في سبيل الحصول على حقوقه، فلقد كانت المطالب التي طرحها الوفد في طهران محورية في رسم ملامح الصراع السياسي في تلك الحقبة، وساهمت في إظهار طبيعة الحركة السياسية والثقافية في الأحواز التي استمرت حتى اليوم.
كما أن هذا الوفد ليس مجرد حدث سياسي تاريخي، بل هو رمز للتضحية والعمل الجماعي من أجل الدفاع عن الهوية والحقوق المشروعة لشعب عانى لعقود من الزمن.