مناهضون
تُمثل الأحواز العربية واحدة من أكثر القضايا المنسية في العالم العربي والإسلامي، رغم أنها تُجسد مثالًا حيًا على الاحتلال وسياسات الطمس الممنهج للهوية، فمنذ عام 1925 حين أسقطت قوات الاحتلال الإيراني إمارة الأحواز العربية بقيادة الشيخ خزعل الكعبي، بدأت مرحلة جديدة من التاريخ عنوانها الاحتلال والتفريس.
ولم يقتصر الأمر على السيطرة العسكرية، بل امتد إلى مشروع استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى محو الهوية العربية، وتغيير البنية الديموغرافية، والسيطرة المطلقة على ثروات الأحواز الغني بالنفط والغاز والمياه، هذه السياسات، التي اتخذت أشكالًا متعددة عبر حكومات الاحتلال الإيراني المتعاقبة تُعتبر أخطر مخطط استعماري في المنطقة، لأنها لا تستهدف الأرض فقط بل الإنسان والهوية معًا.
الخلفية التاريخية للاحتلال:
ـ الأحواز قبل 1925: كانت إمارة عربية مستقلة تتمتع بمكانة استراتيجية مهمة عند ملتقى الخليج العربي ببلاد فارس. حكمها آل كعبي لقرون، وأقامت علاقات سياسية وتجارية مع دول عربية وأجنبية.
ـ الاحتلال الإيراني: في عام 1925، وبمساعدة البريطانيين الذين سعوا لتأمين مصالحهم النفطية، اجتاح رضا شاه بهلوي الأحواز واعتقل الشيخ خزعل الكعبي، ومنذ تلك اللحظة، بدأ مشروع دمج الإقليم قسرًا في الدولة الإيرانية الحديثة.
ـ مرحلة ما بعد الشاه: بعد الثورة الإيرانية عام 1979، كان الأمل أن تُمنح الأحواز بعض الحقوق، لكن النظام الجديد واصل سياسات التفريس والقمع، مستخدمًا خطاب “الوحدة الإسلامية” للتغطية على نزعة الهيمنة الفارسية.
سياسات التفريس الثقافي واللغوي:
ـ اللغة والتعليم: فرض الفارسية كلغة رسمية وحيدة في المدارس والجامعات.
حظر تدريس اللغة العربية حتى في مراحلها الأولى.
معاقبة الطلاب والمعلمين الذين يستخدمون العربية داخل المؤسسات التعليمية.
ـ الإعلام والهوية: إغلاق أي صحف أو منصات إعلامية عربية.
منع إصدار كتب أو مجلات بالعربية.
تعميم الثقافة الفارسية كمرجع وحيد، بما في ذلك طمس الموروث الشعبي الأحوازي.
ـ المسميات الجغرافية: تغيير أسماء المدن والقرى العربية.
هذا التغيير الرمزي شكّل خطوة لإعادة صياغة الذاكرة الجمعية للأجيال.
التهجير وتغيير البنية الديموغرافية:
ـ الاستيطان الفارسي: جلب آلاف العائلات الفارسية إلى المدن الكبرى كالأحواز والمحمرة وعبادان، ومنحهم وظائف ومساكن.
ـ تهجير العرب: نزع ملكية الأراضي الزراعية تحت ذريعة “التنمية”.
إغراق مساحات واسعة من القرى بسبب بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار.
إجبار السكان على الهجرة إلى الداخل الإيراني أو العيش في عشوائيات حول المدن.
ـ الهدف النهائي: تحويل العرب إلى أقلية مهمّشة في أرضهم.
السيطرة على الموارد الاقتصادية:
الأحواز هو الركيزة الاقتصادية لإيران، حيث ينتج أكثر من 80% من النفط والغاز، إضافة إلى خصوبة أراضيه الزراعية وغنى مياهه، ومع ذلك تُنقل العائدات بالكامل إلى طهران دون أي عائد يُذكر للأهالي، ويُحرم السكان من البنية التحتية الأساسية (مياه الشرب، الكهرباء، الصحة)، كما تُستخدم سياسة “تجفيف الأنهر” بتحويل مياه نهر كارون والكرخة إلى الأقاليم الفارسية، ما دمّر البيئة والزراعة المحلية.
القمع الأمني والسياسي:
ـ الإعدامات الجماعية: بحق ناشطين يطالبون بالحقوق الثقافية أو السياسية.
ـ الاعتقالات المستمرة: تشمل مثقفين، طلاب، شيوخ قبائل، وحتى نشطاء بيئيين.
ـ التجريم القانوني: أي مطالبة بالهوية أو حتى رفع العلم الأحوازي تُعتبر “انفصالًا” يعاقب عليه بالإعدام.
ـ المراقبة الأمنية: حضور استخباري مكثف يمنع أي تجمعات أو نشاط ثقافي عربي.
الآثار الاجتماعية والإنسانية:
ـ الفقر والتهميش: رغم الثروات الهائلة، يعيش الأحوازيون في واحدة من أكثر المناطق حرمانًا في إيران.
ـ البطالة: معدلاتها تتجاوز 30%، خصوصًا بين الشباب.
ـ الأمراض والتلوث: نتيجة سياسات تجفيف الأنهر وحرق الغاز، يعاني السكان من أمراض تنفسية وسرطانات بمعدلات مرتفعة.
ـ تراجع التعليم: نتيجة التمييز اللغوي، ترتفع نسبة التسرب المدرسي بين الطلاب العرب.
المقاومة الأحوازية
رغم القمع، شهد الإقليم عدة انتفاضات:
ـ انتفاضة 1928–1936: محاولات مسلحة لمقاومة الاحتلال.
ـ انتفاضة 1979: عقب الثورة الإيرانية، حيث خرجت احتجاجات للمطالبة بالحكم الذاتي وقُمعت بالدم.
ـ انتفاضة نيسان 2005: التي اندلعت بسبب تسريب وثيقة رسمية تكشف خطة لتهجير العرب.
الأبعاد الاستراتيجية للمخطط:
الموقع الجغرافي: الأحواز هو البوابة الشرقية للخليج العربي، وأي تغيير هوياتي فيه يهدد التوازن الديموغرافي للمنطقة.
الأمن القومي العربي: طمس الهوية العربية في الأحواز يعني تقليص العمق الاستراتيجي للعالم العربي.
التغلغل الإيراني: استخدام الأحواز كقاعدة للتمدد الإيراني في الخليج.
المواقف العربية والدولية:
الموقف العربي: ظل باهتًا ومحدودًا، يقتصر غالبًا على بيانات تضامن دون خطوات عملية.
الموقف الدولي: الغرب ينظر إلى القضية من منظور مصالحه مع إيران، ما يجعله يتجاهل حقوق الإنسان في الأحواز.
المنظمات الحقوقية: وثقت انتهاكات جسيمة، لكن دون تحرك دولي رادع.