مناهضون
على مدى قرابة قرن من الزمان، ظلت دولة الأحواز محتلة تحت سيطرة الاحتلال الإيراني، في ظل تجاهل كبير لهذه القضية التي تمثل أحد أقدم الصراعات القومية في المنطقة.
فمنذ عام 1925، عندما سلمت بريطانيا أراضي الأحواز الغنية بالثروات إلى إيران، يقع الأحواز تحت وطأة سياسات قمعية تهدف إلى تغيير هويته العربية وتركيبه الديموغرافي، مما جعله بؤرة توتر مستمر، وفي كل مرة يتفجر فيها الحراك الأحوازي، يكون رد الفعل الإيراني عنيفاً، ويكشف عن حجم المخاوف التي تثيرها هذه القضية لدى نظام الاحتلال الإيراني.
وتعتبر الأحواز العربية واحدة من أكثر المناطق ثراءً في العالم من حيث الموارد الطبيعية، حيث تحتوي على نحو 70% من إجمالي الثروة النفطية الإيرانية، بالإضافة إلى موارد طبيعية أخرى من الغاز والمعادن والأراضي الزراعية الخصبة.
ورغم هذا الغنى، يعاني سكان الأحواز من تهميش اقتصادي واجتماعي ممنهج، إلى جانب سياسات قمعية تهدف إلى طمس هويتهم العربية.
فمنذ سيطرة إيران على الإقليم في عام 1925، تحولت الأحواز إلى مسرح لأبشع الممارسات الأمنية التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإيراني، فالاحواز الذي كان يتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي تحت حكم الشيخ خزعل الكعبي، أصبح الآن منطقة مغلقة على سكانها، حيث تفرض سلطات الاحتلال الإيراني قيوداً صارمة على جميع مظاهر الحياة، من التعليم إلى حرية التعبير، حتى الأسماء العربية للمدن والبلدات تم تغييرها قسراً إلى أسماء فارسية.
وتعود جذور قضية الأحواز إلى العصور القديمة، حيث كانت بخصوبته وثرواته، وفي القرن الخامس عشر، نشأت الدولة المشعشعية العربية في الأحواز، التي اعترف باستقلالها كل من الدولتين العثمانية والصفوية.
وفي القرن الثامن عشر، ظهرت الدولة الكعبية التي حكمت الاحواز حتى عام 1925، وخلال هذه الفترة، شهدت ازدهاراً تجارياً كبيراً، خاصة بعد إعادة تأهيل نهر كارون وافتتاح قناة السويس، وقد لعب موقع الأحواز الاستراتيجي وثرواتها دوراً كبيراً في تعزيز قوتها واستقلالها.
ولكن مع بداية القرن العشرين، تغيرت موازين القوى في المنطقة، وأصبحت بريطانيا، التي كانت تسيطر على معظم مناطق الخليج العربي، تنظر إلى قوة الدولة الكعبية بعين الريبة.
وفي عام 1925، تآمرت بريطانيا مع فارس للإطاحة بحكم الشيخ خزعل الكعبي، وتم اعتقاله وتسليم الأحواز لإيران، ومنذ ذلك الحين، تحولت الأحواز إلى ساحة للصراع بين إيران والعراق، خاصة بعد اكتشاف النفط في مدينة عبادان في مطلع القرن العشرين.
فمنذ دخول الجيش الفارسي مدينة المحمرة في عام 1925، لم تتوقف محاولات إيران لطمس الهوية العربية للإقليم، وتحاول سلطات الاحتلال الإيراني تغيير التركيبة السكانية في الأحواز من خلال توطين الفرس وزيادة نسبتهم.
كما تم تغيير أسماء المدن والأنهار إلى أسماء فارسية، وتم فرض قيود مشددة على استخدام اللغة العربية في المدارس والمؤسسات الرسمية.
كما تتبع إيران سياسة ممنهجة لإجبار السكان العرب على الهجرة خارج الأحواز، وذلك من خلال الممارسات الأمنية القمعية التي تشمل الاعتقالات التعسفية، التعذيب، والتضييق على النشطاء العرب.
كما تعمل حكومة الاحتلال الإيراني على شراء ولاءات بعض شيوخ العشائر العربية لضمان عدم اندلاع أي تحركات واسعة النطاق ضد النظام.
ولكن رغم محاولات إيران المتواصلة لقمع الحراك الأحوازي، فإن الإقليم يشهد بين الحين والآخر انتفاضات ومظاهرات تؤكد على رفض سكانه للواقع المفروض عليهم.
حيث يتمتع الحراك الأحوازي بدعم منظمات حقوقية دولية وإقليمية، كما أن له أذرع سياسية نشطة خارج إيران، مما يجعل من الصعب على النظام الإيراني القضاء على هذا الحراك.
ويشكل استمرار الحراك الأحوازي تحدياً كبيراً للنظام الإيراني، ليس فقط بسبب القلق من فقدان السيطرة على الإقليم، بل أيضاً بسبب التأثير المحتمل على استقرار الدولة بشكل عام.
فإذا استمر الحراك الأحوازي وتزايدت حدته، فقد يشجع ذلك قوميات أخرى في إيران، مثل الكرد والبلوش، على اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة الإيرانية بشكل أعمق.
كما تعتبر إيران أن استمرار الحراك الأحوازي يشكل تهديداً خطيراً لها ويُهدد نظامها بالسقوط، وقد اتهم مسؤولون إيرانيون جهات استخباراتية عربية وغربية بدعم التيارات الانفصالية في الأحواز، محذرين من أن انتقال الصراعات من العراق وسوريا إلى “خوزستان” قد يشكل تهديداً وجودياً لإيران.
ويعتمد النظام الإيراني على نظرية المؤامرة لتبرير سياساته القمعية في الأحواز، حيث يروج لفكرة أن الدولة تتعرض لمؤامرات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرارها، ولكن رغم هذه الادعاءات، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن سياسات النظام القمعية هي التي تدفع سكان الأحواز إلى مزيد من الاحتجاج والتمرد.