مناهضون
تمثل مجزرة معشور واحدة من أكثر الجرائم دموية ووحشية التي ارتكبها الاحتلال الإيراني بحق الشعب الأحوازي خلال العقود الأخيرة، فلم تكن مجرد حملة قمع اعتيادية، بل عملية عسكرية واسعة حملت ملامح الإبادة، استخدمت فيها قوات النخبة التابعة للحرس الثوري القوة المفرطة ضد مدنيين عزّل خرجوا في احتجاجات سلمية للمطالبة بحقوق اقتصادية وسياسية مشروعة.
ومع مرور السنوات، يظل هذا الحدث محفورًا في الذاكرة الجماعية الأحوازية بوصفه رمزًا للاضطهاد، وجرحًا لا يزال ينزف، لما خلفه من مئات الضحايا، والمفقودين، والمعتقلين، ولما كشفه من حقيقة تعامل النظام الإيراني مع أبناء الإقليم كـ”عدو داخلي” يجب القضاء عليه لا كمواطنين لهم حقوق.
ـ سياق سياسي مضطرب:
في نوفمبر 2019 اندلعت احتجاجات واسعة في ما يسمى بإيران عقب إعلان مفاجئ عن رفع أسعار الوقود بنسبة غير مسبوقة، لكن في الأحواز، أخذت الاحتجاجات منحى أعمق، إذ تحولت إلى حراك شعبي يطالب بالعدالة الاجتماعية وإنهاء التمييز القومي واللغوي، وتوقف سياسات التجريف وتهجير السكان، إضافة إلى وقف نهب الثروات الطبيعية.
ـ خصوصية مدينة معشور:
تُعد معشور إحدى أهم مدن الأحواز صناعيًا واستراتيجيًا.
تتميز بـ قربها من الحقول النفطية الكبرى، مرور خطوط الغاز الرئيسية عبر أراضيها، وجود أكبر مجمع للبتروكيماويات، كثافة سكانية عربية كبيرة تحافظ على هويتها ولغتها.
هذه الخصائص جعلت المدينة نقطة ارتكاز لتوازن القوى الاقتصادية، وفي الوقت نفسه منطقة حساسة قد يُعد أي احتجاج فيها تهديدًا مباشرًا لمنشآت حيوية يعتمد عليها الاقتصاد الإيراني.
ـ تطويق المدينة وإعلان “المنطقة عسكرية”:
في فجر يوم 16 نوفمبر 2019، حاصرت قوات الحرس الثوري مدينة معشور بالكامل، وبدأت في نشر القناصة على أسطح المباني، فيما أُغلقَت الطرق المؤدية إليها باستخدام الدبابات والمدرعات، في خطوة غير مسبوقة في أي مدينة إيرانية خلال الاحتجاجات.
ـ إطلاق النار المباشر على المتظاهرين:
مع بدء خروج الأهالي في مظاهرات سلمية في حي “جراحي” و“كوت عبدالله”، فتحت القوات الأمنية النار بكثافة مباشرة على المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى منذ اللحظات الأولى.
وبحسب شهود عيان، تم استخدام:
الرشاشات الثقيلة (دوشكا).
القناصة.
المركبات المدرعة.
قنابل الغاز السامة.
ـ مطاردة الفارين في مستنقعات القصب:
هرب العشرات إلى مناطق القصب والمستنقعات المحيطة بالمدينة، خاصة في “هربول” و“كوت سيد صالح”.
لاحقتهم القوات مستخدمة سيارات عسكرية رباعية الدفع، وطائرات مروحية، وأطلقت النار عليهم من مسافات قريبة.
ويُعد هذا الجزء من المجزرة الأكثر وحشية، حيث تم قتل عشرات الشبان داخل الماء والقصب دون أي إمكانية للنجاة.
ـ الإعدامات الميدانية والاعتقالات الجماعية:
وصلت شهادات موثوقة تؤكد أنه بعد اعتقال مجموعات من الشبان، تم تنفيذ إعدامات ميدانية بحق بعضهم في ساحات مفتوحة، بينما نُقل آخرون إلى مواقع مجهولة.
وحتى اليوم، لا يزال مصير عدد من المفقودين غير معروف، فيما أفاد أهالٍ بأن بعض الجثث دُفنت سرًا دون تسليمها لعائلاتهم.
ـ حجم الخسائر البشرية:
على الرغم من التعتيم الإعلامي الشديد، فإن التقديرات تشير إلى ما يلي:
أكثر من 200 شهيدًا خلال يومين فقط.
عشرات المفقودين الذين لم يُكشف مصيرهم.
ما يزيد على 2500 معتقل نُقلوا إلى مراكز احتجاز خاصة في معسكرات الحرس الثوري.
شهداء تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا.
منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” وصفت ما جرى بأنه أخطر عملية قمع خلال احتجاجات 2019 وأن معشور كانت الأكثر تضررًا مقارنة ببقية المدن الإيرانية.
ـ الدوافع الحقيقية وراء استهداف معشور:
- – كسر إرادة المجتمع الأحوازي
- ترى سلطات الاحتلال الإيراني أن الأحواز منطقة غير مستقرة وقابلة للانفجار دائمًا، وبالتالي فإن أي احتجاج فيها يُقابل بردع مضاعف لمنع تشكّل أي حركة سياسية مستقلة.
- – حماية المنشآت النفطية بأي ثمن
- وجود معشور وسط شبكة من المصانع والمنشآت النفطية جعلها موقعًا لا تتحمل السلطات اضطرابًا أو عصيانًا فيه، خاصة في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
- – تصفية الحسابات القومية
- يعتبر نظام الاحتلال الإيراني الاحتجاجات في المناطق العربية مؤشرًا على “النزعات الانفصالية”، وهو توصيف استخدمته السلطات لتبرير العنف المفرط.
ـ ردود الفعل المحلية والدولية:
– داخل الأحواز:
أثارت المجزرة موجة غضب غير مسبوقة في المجتمع الأحوازي، حيث خرجت احتجاجات جديدة في بعض المدن رغم حالة الرعب، وأصبحت صور الشهداء تُرفع في التجمعات والفعاليات القومية.
– على المستوى الدولي:
كان الرد الدولي ضعيفًا مقارنة بحجم الفاجعة، إذ اكتفت الدول والمنظمات بإصدار بيانات إدانة عامة دون فتح تحقيق دولي أو فرض عقوبات محددة على المسؤولين.
وشكل هذا الصمت عاملًا رئيسيًا في ترسيخ شعور الأحوازيين بأنهم يواجهون الاحتلال وحدهم.
ـ شهادات مؤلمة من قلب المجزرة:
جمع ناشطون حقوقيون شهادات ناجين، من بينها:
شاب في العشرين قال إنه شاهد أكثر من 30 شهيدًا داخل مستنقع واحد.
إحدى الأمهات روت أن ابنها البالغ 17 عامًا خرج لشراء الخبز ولم يعد، وبعد 10 أيام أبلغوها بوجود جثته في مقبرة مجهولة.
ممرض في مستشفى معشور أكد وصول جثث كثيرة عليها آثار إطلاق نار من الخلف أو من الأعلى.
هذه الشهادات أصبحت جزءًا من الأرشيف التاريخي للمجزرة رغم محاولات طمسها.
ـ الآثار العميقة للمجزرة على الوعي الأحوازي:
– تعزيز الهوية الوطنية العربية:
أصبحت معشور رمزًا للمقاومة والصمود، وزاد تعلق الأجيال الجديدة بالقضية الأحوازية.
– تحويل الذاكرة إلى قوة سياسية:
باتت المجزرة حدثًا يوحّد مختلف القوى الأحوازية، ويغذي مطالب تدويل القضية.
– تصاعد النشاط الحقوقي:
نمت المنظمات الشبابية والإعلامية التي تعمل على توثيق الانتهاكات، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.





