مناهضون
في إطار سعيها لتقويض النفوذ الإيراني إقليميًا، والحد من قدرات طهران النووية، أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سياسة “الضغط الأقصى” عقب انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي في مايو 2018، هذه السياسة لم تكن مجرد حملة عقوبات اقتصادية، بل كانت جزءًا من استراتيجية متكاملة تهدف إلى عزل إيران سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا.
ومع مرور الوقت، بدأت النتائج الملموسة لهذه السياسة تتجلى بشكل أكثر حدة، لاسيما في القطاع النفطي، الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد الإيراني، ما أدى إلى أضرار اقتصادية فادحة وتداعيات اجتماعية وسياسية معقدة.
أولًا: تآكل العائدات النفطية وخسائر فادحة:
بحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن سياسة “الضغط الأقصى” قد كلفت الحكومة الإيرانية نحو 53 مليار دولار من عائداتها السنوية النفطية، وهو ما يمثل ضربة قوية لاقتصاد يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط الخام كمصدر رئيسي للدخل القومي.
وقبل العقوبات، كانت إيران تنتج أكثر من 2.5 مليون برميل يوميًا وتصدر جزءًا كبيرًا منها إلى أسواق آسيا وأوروبا لكن مع العقوبات الأمريكية المشددة، تراجعت الصادرات إلى مستويات غير مسبوقة، واضطرت طهران إلى بيع جزء من إنتاجها في السوق السوداء بأسعار مخفضة وعبر وسطاء لتفادي القيود، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإيرادات وتفاقم العجز في الموازنة.
ثانيًا: تأثيرات اقتصادية داخلية متراكمة:
هذه الخسائر النفطية انعكست على كامل مفاصل الاقتصاد الإيراني، فقد شهدت البلاد:
انهيارًا في سعر العملة المحلية (الريال الإيراني)، مما تسبب بارتفاع تكلفة الواردات وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، تجاوزت في بعض الفترات 40% سنويًا.
بطالة متزايدة، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالتصدير، والطاقة، والصناعة.
نقص حاد في السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية، نتيجة تعقيد نظام التحويلات المالية والعقوبات على المؤسسات المصرفية.
وقد أجبرت هذه التحديات الحكومة الإيرانية على تقليص الدعم الحكومي، ورفع أسعار المحروقات، وزيادة الضرائب، وهي خطوات أثارت موجات متكررة من الاحتجاجات الشعبية.
ثالثًا: تداعيات اجتماعية وسياسية داخلية:
أدى هذا الانكماش الاقتصادي المتسارع إلى تنامي السخط الشعبي داخل إيران، حيث خرجت في السنوات الأخيرة مظاهرات واسعة، تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية ووقف الفساد ومساءلة المسؤولين عن إدارة الأزمة، وقد واجهت السلطات هذه التحركات بحملات قمع واعتقالات، مما زاد من حالة الاحتقان الداخلي.
في المقابل، حاولت الحكومة الإيرانية توجيه اللوم نحو واشنطن، معتبرة العقوبات شكلًا من أشكال “الحرب الاقتصادية”، ودعت إلى “الاقتصاد المقاوم” كخيار للبقاء، إلا أن محدودية الموارد والتراجع المستمر في الإيرادات جعل من هذا الشعار أكثر رمزية منه فعالية واقعية.
رابعًا: الأبعاد الإقليمية والعسكرية للاستراتيجية الأمريكية:
لم تقتصر آثار سياسة “الضغط الأقصى” على الداخل الإيراني فحسب، بل امتدت أيضًا إلى نفوذ طهران في المنطقة، فقد:
تقلص التمويل المخصص لدعم الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
واجهت شبكات النفوذ الإيراني تحديات في استمرارية العمليات اللوجستية والعسكرية.
ازدادت الضغوط الدولية على حلفاء طهران، مما أجبر بعضهم على مراجعة تحالفاتهم وتخفيف التبعية.
لكن في المقابل، تبنت إيران سياسة “حافة الهاوية” من خلال تصعيد في مضيق هرمز، وزيادة تخصيب اليورانيوم، واستهداف مصالح أمريكية وحليفة في المنطقة، كوسيلة لخلق توازن ردع وكسب أوراق تفاوضية مستقبلية.
خامسًا: موقف المجتمع الدولي ومصير الاتفاق النووي:
أحدثت هذه السياسة الأمريكية شرخًا في الموقف الدولي من الملف الإيراني، حيث أبدت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا امتعاضها من سياسة ترامب، وحاولت الحفاظ على الاتفاق النووي عبر آليات مالية بديلة مثل “إنستكس”، لكنها لم تكن فعالة في التخفيف من حدة العقوبات.
ومع وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة، عاد الحديث عن إمكانية العودة للاتفاق النووي بشروط جديدة، لكن المحادثات تعثرت أكثر من مرة بسبب تعنت كلا الطرفين في بعض القضايا، خصوصًا تلك المتعلقة ببرنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي.