مناهضون
تُعد القضية الأحوازية واحدة من أكثر القضايا المنسية في التاريخ المعاصر، رغم عمقها السياسي والإنساني، فمنذ أن سقطت إمارة الأحواز في قبضة الاحتلال الإيراني عام 1925، تعرّض شعبها العربي لسلسلة من السياسات الاستعمارية التي استهدفت تاريخه، وهويته، وثقافته، ووجوده ذاته.
وقوبلت كل محاولات الأحوازيين لاستعادة حقوقهم المشروعة بالقمع والتنكيل والقتل والتهجير، لكن رغم ذلك لم يرفع الأحوازيون الراية البيضاء، بل استمروا في نضالهم، جيلاً بعد جيل، مستخدمين كل وسائل المقاومة، من الكلمة إلى السلاح، ومن الحراك الشعبي إلى التدويل السياسي.
أولاً: الأحواز قبل الاحتلال
تمتد جذور الدولة الأحوازية إلى القرن التاسع عشر، حين تأسست إمارة عربية بقيادة الشيخ جابر الكعبي، والتي ورثها لاحقاً ابنه الشيخ خزعل الكعبي.
كانت الإمارة تتمتع بحكم ذاتي شبه مستقل، وعلاقات دبلوماسية وتجارية مع الدولة العثمانية وبريطانيا والدول الخليجية، وتمتعت بعملتها الخاصة وجيشها المحلي.
وكانت مدينة المحمّرة هي العاصمة السياسية والاقتصادية للإمارة، وتُعد واحدة من أغنى المناطق في الخليج العربي بفضل موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية، لا سيما النفط والمياه والزراعة.
في بداية القرن العشرين، بدأت بريطانيا تنسج خيوطها للسيطرة على المنطقة، وتحالفت مع رضا خان الذي كان يطمح لتأسيس دولة مركزية قوية على أنقاض الحكم القاجاري.
وفي عام 1925، انقضّ الجيش الإيراني على المحمرة واعتقل الشيخ خزعل، منهياً بذلك استقلال الأحواز ومعلناً بدء عهد الاحتلال الإيراني.
ثانيًا: أدوات الاحتلال الإيراني لطمس الهوية الأحوازية
منذ اليوم الأول للاحتلال، أطلقت الحكومات الإيرانية المتعاقبة سياسة ممنهجة لتفريس الأحواز، بدأت بتغيير اسمه من “عربستان” إلى “خوزستان”، وتبع ذلك:
حظر تدريس اللغة العربية في المدارس.
منع ارتداء الزي العربي التقليدي في الدوائر الرسمية.
تغيير أسماء المدن والقرى العربية إلى أسماء فارسية.
فرض أسماء فارسية على المواليد الجدد ومنع الأسماء العربية.
ـ التهجير وتغيير التركيبة السكانية:
عملت سلطات الاحتلال الإيراني على تنفيذ سياسات تغيير ديموغرافي خطيرة، تمثلت في:
تهجير آلاف العائلات العربية قسرًا من أراضيها.
توطين أعداد كبيرة من غير العرب، خصوصًا من الأقاليم الفارسية.
مصادرة الأراضي الزراعية تحت ذريعة “مشاريع التنمية الوطنية”.
ـ الحرمان الاقتصادي:
رغم أن الأحواز تحتوي على أكثر من 80% من النفط الإيراني، فإن العرب الأحوازيين يعانون من:
معدلات فقر وبطالة هي الأعلى في إيران.
غياب تام للبنية التحتية والخدمات الأساسية في المدن العربية.
تهميش متعمد في التوظيف الحكومي والتعليم العالي.
ثالثًا: الانتفاضات الأحوازية:
1. الانتفاضة الكبرى (1979): مع سقوط نظام الشاه وقيام “الجمهورية الإسلامية”، انتعشت آمال الأحوازيين بتحقيق حكم ذاتي ضمن إطار الدولة الجديدة، لكن سرعان ما تبين أن النظام الجديد لا يقل استبدادًا عن سلفه.
في 1979، اندلعت انتفاضة واسعة في المحمرة، طالبت بالحكم الذاتي والاعتراف بالهوية العربية، إلا أن الحرس الثوري تدخل بقوة وقتل المئات واعتقل الآلاف، فيما عُرفت بـ”مجزرة المحمرة”.
2. انتفاضة 2005: سربت وثيقة رسمية إيرانية في أبريل 2005 تكشف خطة لتغيير التركيبة السكانية في الأحواز، فاندلعت انتفاضة كبيرة في مختلف مدن الأحواز، وسقط خلالها عشرات الشهداء، وتم اعتقال الآلاف، وأُعدم عدد من النشطاء بتهم “الإرهاب والانفصال”.
3. ثورة العطش (2021): خرجت مظاهرات حاشدة احتجاجًا على تجفيف الأنهر وتحويل مياه نهر كارون إلى الأقاليم الفارسية.
تحولت الاحتجاجات إلى شعارات مناهضة للنظام، وامتدت إلى عدة مدن إيرانية أخرى، ما دفع السلطات لقطع الإنترنت وقمع المتظاهرين بالرصاص الحي.
رابعًا: المقاومة المسلحة والتنظيمات السياسية
على مدار العقود الماضية، ظهرت العديد من التنظيمات السياسية والمسلحة التي تبنّت مقاومة الاحتلال الإيراني، وقد تبنّت هذه الفصائل عمليات نوعية ضد منشآت النفط والأمن، في رسالة واضحة على أن القضية لن تُنسى، وأن المقاومة تتجدد رغم كل محاولات القمع.
خامسًا: التفاعل الإقليمي والدولي مع القضية الأحوازية
ـ المواقف العربية: كانت بعض الدول العربية تتعاطف سرًا مع القضية، لكنها اليوم بدأت تطرحها علنًا كأداة ضغط سياسي على نظام الاحتلال الإيراني.
ظهرت قنوات إعلامية ومنصات إلكترونية تبث باللغة العربية من الأحواز وإليها، تعزز الهوية وتنقل صوت المظلومين.
ـ الدعم الحقوقي والدولي: بدأت منظمات حقوق الإنسان، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، في رصد الانتهاكات في الأحواز، خاصة الإعدامات والمحاكمات الصورية.
كما أن البرلمان الأوروبي شهد عدة جلسات استماع عن الانتهاكات الإيرانية في الأحواز، دون أن تتبلور حتى الآن آليات ضغط فعالة.