مناهضون
أطلق رئيس جهاز الاستخبارات الأسترالي (ASIO)، مايك بورغِس، تحذيرًا غير مسبوق بشأن احتمال قيام حكومات أجنبية بتنفيذ عمليات اغتيال سياسية على الأراضي الأسترالية، مشيرًا إلى أن ثلاث دول على الأقل تملك النية والقدرة على ارتكاب مثل هذه الجرائم ضد معارضين أو شخصيات بارزة داخل البلاد.
تهديدات تمس التماسك الاجتماعي:
قال بورغِس في خطابه خلال محاضرة معهد لووي لعام 2025 إن أستراليا تواجه مستوى غير مسبوق من التهديدات الداخلية والخارجية، تشمل التطرف اليميني والديني، والدعاية الروسية، وحملات تضليل إلكترونية تقودها دول معادية.
وأوضح أن بعض الأنظمة الاستبدادية تحاول “استغلال الانقسامات داخل المجتمعات الديمقراطية” لإضعاف استقرارها، مشيرًا إلى المخطط الإيراني الذي استعان بمجرمين محليين لإشعال حرائق في منشآت يهودية ودور عبادة داخل أستراليا.
وتابع: “نعتقد أن هناك ما لا يقل عن ثلاث دول راغبة وقادرة على تنفيذ عمليات قتل هنا”، مضيفًا أن هذه الدول قد تستخدم “وسطاء إجراميين” لإخفاء تورطها.
محاولة تجسس على برنامج الغواصات النووية AUKUS:
وأعلن بورغِس أن جهاز الاستخبارات الأسترالي أحبط محاولة تجسس أجنبية استهدفت الحصول على معلومات حساسة تتعلق بالاقتصاد الوطني والمعادن الحرجة وبرنامج الغواصات النووية AUKUS، الذي تبلغ قيمته 368 مليار دولار.
وأوضح أن عملاء أجانب حاولوا تجنيد مواطن أسترالي ونقله إلى دولة ثالثة لعقد اجتماع مباشر وتسليمه قائمة أهداف للتجسس، قبل أن يتمكن ASIO من تعقب العملية وإحباطها بالكامل.
الذكاء الاصطناعي يفاقم خطر التطرف:
حذّر رئيس ASIO من أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي أصبحت الأدوات الأبرز في نشر التطرف ونظريات المؤامرة، معتبرًا أن هذه التقنيات “تُسرّع من تمزق النسيج الاجتماعي الأسترالي”.
وقال:”الإنترنت يحتضن، ووسائل التواصل تُسرّع، والذكاء الاصطناعي يُفاقم”، وأضاف أن جماعات مثل النازيين الجدد وحزب التحرير تستغل المظاهرات والخلافات السياسية لتوسيع نفوذها واستقطاب مزيد من الأتباع، مشيرًا إلى أن بعض تلك الجماعات “تختبر حدود القانون لإذكاء الانقسام داخل المجتمع”.
دول متهمة بالتحريض والتدخل:
ورغم أن بورغِس لم يُسمِّ الدول الثلاث، فقد ألمح إلى أن إيران وروسيا وربما الصين من بين الجهات التي تمارس أنشطة عدائية في أستراليا. واتهم موسكو باستخدام شبكات دعائية على الإنترنت لإثارة الانقسام، خاصة عبر التلاعب بالنقاشات العامة حول الهجرة وقضايا أخرى لتأجيج الانقسام السياسي والاجتماعي، إضافة إلى اتهامات لإيران التي ترعى التطرف في العالم.
رسائل صريحة:
ورغم لهجة التحذير، اختتم بورغِس خطابه بنغمة تفاؤلية، مؤكدًا أن أجهزة الأمن الأسترالية تعمل على مدار الساعة لحماية البلاد، وداعيًا المواطنين إلى رفض الانقسام والمشاركة في حماية استقرارهم الوطني.
وقال في ختام كلمته: “لا يمكنك أن تتجسس طريقك نحو التماسك، ولا أن تعتقل طريقك نحو تقليل المظالم — فلكل منا دور في حماية استقرار أستراليا.”
وتعكس تصريحات بورغِس تحول أستراليا نحو نهج أمني أكثر حزمًا في مواجهة ما تسميه “التهديدات الهجينة” التي تمزج بين التجسس، والتضليل الرقمي، والتأثير السياسي. كما تشير إلى أن كانبيرا تسعى إلى تعزيز موقعها داخل تحالفات الأمن الغربية مثل AUKUS وFive Eyes، في مواجهة التحديات التي تفرضها الأنظمة الاستبدادية والذكاء الاصطناعي على استقرار الديمقراطيات الحديثة.
تأثير الخطاب على السياسة الخارجية الأسترالية:
يرى محللون أن خطاب مايك بورغِس سيُحدث تأثيرًا مباشرًا على توجهات السياسة الخارجية الأسترالية خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ما يتعلق بعلاقاتها مع الصين وإيران وروسيا. فبينما تحاول حكومة كانبيرا الحفاظ على توازن دقيق بين مصالحها الاقتصادية مع بكين والتزاماتها الأمنية ضمن تحالفات الغرب، فإن تحذيرات ASIO تُعيد التأكيد على أولوية الأمن القومي على المصالح التجارية.
أما في ما يخص إيران، فمن المرجح أن يؤدي الكشف عن مخططاتها التخريبية إلى تشديد الرقابة على نشاطات الجاليات المرتبطة بها، وزيادة التنسيق الاستخباراتي مع الولايات المتحدة وبريطانيا لمواجهة ما تصفه أستراليا بـ“عمليات النفوذ الخبيث”.
وفي السياق ذاته، ستعزز هذه التصريحات موقف أستراليا داخل التحالفات الأمنية الغربية، بوصفها دولة تتعرض لتهديدات مباشرة من قوى استبدادية، ما يمنحها دورًا أكبر في صياغة استراتيجيات الردع الإقليمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.





