مناهضون
في الوقت الذي تُعد فيه التعليم أحد أهم ركائز النهضة في العالم الحديث، يعيش الشعب العربي الأحوازي مأساة حقيقية تُعيده قسرًا إلى عصور الجهل والتهميش، تحت سياسات ممنهجة يتبعها الاحتلال الإيراني منذ احتلاله للأحواز عام 192، فلم يكن التعليم في الأحواز بمعزلٍ عن محاولات طمس الهوية العربية، بل كان الهدف الأول لنظام الاحتلال الإيراني في سعيه لاقتلاع جذور الانتماء الوطني واللغوي من وجدان الأجيال الجديدة.
ـ سياسة ممنهجة لتجهيل الأجيال الأحوازية:
منذ اليوم الأول للاحتلال، أدركت سلطات الاحتلال الإيراني أن السيطرة على العقول أكثر فاعلية من السيطرة على الأرض، فحوّلت المدارس إلى أدوات لغسل الأدمغة ونشر الفكر الفارسي بين الأطفال العرب.
فالتعليم باللغة الفارسية أصبح إلزاميًا، بينما جرى حظر استخدام اللغة العربية في المدارس الرسمية، حتى في حصص الأدب والتاريخ التي تم تزوير محتواها لتتناسب مع الرواية الإيرانية.
كما أُلغيت أي مناهج تتعلق بتاريخ الأحواز أو ثقافتها، وحُذفت من الكتب الدراسية الإشارات إلى الهوية العربية.
وبدلًا من ذلك، فُرضت دروس تمجّد الثقافة الفارسية والثورة الإيرانية، مما جعل التعليم في الأحواز أداةً مباشرة لطمس الوعي الجمعي للأحوازيين.
ـ تهميش متعمد للبنية التعليمية:
تُظهر التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية أحوازية ودولية أن سلطات الاحتلال الإيراني تتعمد إهمال المدارس في الاحواز، إذ تعاني معظم المؤسسات التعليمية من بنية تحتية متهالكة، ونقص حاد في الكوادر التعليمية والمستلزمات الأساسية.
وفي المدن الكبرى مثل الأحواز العاصمة وعبادان، تُسجّل نسب اكتظاظ طلابي تصل إلى أكثر من 50 طالبًا في الفصل الواحد، في حين تُغلق مدارس في القرى العربية بسبب غياب التمويل أو بسبب سياسات “الدمج القسري” التي تهدف إلى تقليل عدد المدارس العربية.
كما تُفرض على الأهالي ضرائب ومصاريف غير رسمية لإجبارهم على إرسال أبنائهم إلى مدارس فارسية في المدن البعيدة، في محاولة لتذويب الأطفال العرب داخل المجتمع الفارسي.
ـ حرمان اللغة العربية من حقها الطبيعي:
رغم أن اللغة العربية هي اللغة الأم لأكثر من 90% من سكان الأحواز، فإنها محرّمة داخل المؤسسات التعليمية، ويُمنع تدريسها حتى كمادة اختيارية.
وتصل العقوبات أحيانًا إلى حد فصل المعلمين الذين يحاولون استخدام العربية في الشرح أو الأنشطة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة حملة ضد المدارس الأهلية التي كانت تُدرس العربية بشكل غير رسمي، حيث أغلقت سلطات الاحتلال عشرات منها واعتقلت معلمين بتهمة نشر أفكار انفصالية.
ويؤكد ناشطون أحوازيون أن هذه الإجراءات تهدف إلى قطع الشريان الثقافي الأخير الذي يربط الأحوازيين بعروبتهم.
ـ جيل بلا هوية ولا مستقبل:
نتيجة لهذه السياسات، نشأ جيل من الأحوازيين يعاني من فقدان الهوية والانفصال عن جذوره.
فلا هو يتقن العربية كلغة أم، ولا يجد قبولًا كاملاً في المجتمع الفارسي الذي ينظر إليه بازدراء وتمييز.
كما أن ضعف التعليم في الأحواز أدى إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، خاصة في المناطق الريفية، حيث تضطر الأسر إلى دفع أبنائها للعمل بدلًا من الدراسة.
تقدّر مصادر محلية أن نسبة الأمية في بعض المناطق الأحوازية تجاوزت 35%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمعدل الوطني الإيراني، ما يعكس حجم التمييز الممنهج ضد العرب الأحوازيين.
ـ محاولات المقاومة الثقافية والتعليمية:
على الرغم من هذه الممارسات، لم يتوقف الأحوازيون عن الدفاع عن لغتهم وهويتهم.
فقد انتشرت مبادرات مجتمعية سرّية لتعليم العربية داخل البيوت والمساجد، كما أُطلقت حملات عبر الإنترنت تهدف إلى توثيق التراث الأحوازي وتعليم اللغة العربية للأطفال بطرق بديلة.
هذه الجهود تُعد بمثابة مقاومة سلمية ضد مشروع الفارسنة الذي يحاول الاحتلال فرضه على المنطقة منذ عقود، ورغم محدوديتها، فإنها تمثل أملاً في الحفاظ على الوعي الجمعي الأحوازي.