مناهضون
في مشهد يعكس عمق الأزمة اللبنانية وتعقيدات الصراع الداخلي، حذر حزب الله اللبناني، من أن شبح الحرب الأهلية يلوح في الأفق وأنه لن تكون هناك “حياة” في لبنان إذا سعت الحكومة إلى مواجهة الحزب المدعوم من إيران أو القضاء عليه.
وتسعى الحكومة اللبنانية، وفقاً لخطة مدعومة من الولايات المتحدة، إلى فرض سيطرتها على سلاح الحزب في أعقاب الحرب الإسرائيلية ضد لبنان، والتي تقول تل أبيب إنها تستهدف حزب الله الذي تأسس قبل أكثر من أربعة عقود بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني.
لكن الحزب يرفض هذه الضغوط بشكل قاطع، مؤكداً أن مسألة نزع سلاحه غير مطروحة إلا في حال انتهاء الضربات الإسرائيلية و”الاحتلال” للجنوب اللبناني الذي يعتبره الحزب معقلاً لمقاومته.
تهديد صريح وتوتر سياسي:
في خطاب متلفز، صعّد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، لهجته قائلاً: هذا وطننا جميعاً. نحن نعيش بكرامة معاً ونبني سيادته معاً، وإلا فلن يكون للبنان حياة إذا وقفتم مع الجانب الآخر وحاولتم مواجهتنا وإبادتنا.
هذه التصريحات وُصفت من قبل رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام بأنها “غير مقبولة”، معتبراً أنها تحمل تهديداً ضمنياً بالحرب الأهلية.
وأكد سلام عبر منصة “إكس” أن “لا يُصرّح لأي طرف في لبنان بحمل السلاح خارج إطار الدولة اللبنانية”، في إشارة مباشرة إلى أن الحكومة لن تتراجع عن خطتها لنزع سلاح الميليشيات.
جذور الأزمة: حزب الله وإيران:
تعود جذور النفوذ المتنامي لحزب الله إلى مطلع الثمانينيات، حين تأسس في ظل الحرب الأهلية اللبنانية بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني، ليصبح لاحقاً الذراع الأقوى لإيران في المشرق العربي.
ومع مرور الوقت، تحوّل الحزب من مجرد تنظيم مسلح إلى قوة عسكرية سياسية تتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية وتفرض قراراتها في السياسة الداخلية والخارجية.
ولم يقتصر دور الحزب على الداخل اللبناني، بل امتد إلى المعادلات الإقليمية، حيث شارك في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد، وأسهم في تعزيز نفوذ إيران على الحدود مع إسرائيل، ما جعله محوراً رئيسياً في أي مواجهة عسكرية محتملة بين طهران وتل أبيب.
المواجهة مع الدولة: سلاح الشرعية أم شرعية السلاح؟
الحكومة اللبنانية، المدعومة من الولايات المتحدة ودول غربية، ترى أن نزع سلاح حزب الله شرط أساسي لبسط سيادة الدولة وفقاً لاتفاق الطائف.
وقد كلّفت الجيش اللبناني مؤخراً بحصر السلاح بيد القوى الأمنية الشرعية فقط، وهي خطوة أثارت حفيظة الحزب الذي اتهم الحكومة بتنفيذ “أوامر أمريكية إسرائيلية” تهدف إلى القضاء على “المقاومة”.
لكن رئيس الوزراء سلام شدد على أن هذه القرارات “لبنانية صرف”، نافياً أن تكون بلاده خاضعة لإملاءات خارجية، وقال: اتفاق الطائف ميثاقنا وهو ينص بشكل صريح على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية.
سيناريوهات التصعيد:
على الرغم من اللهجة التصعيدية، أشار نعيم قاسم إلى أن حزب الله وحليفته حركة أمل قررتا تأجيل الاحتجاجات الشعبية، مؤكداً وجود مساحة للنقاش والتسويات السياسية قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة، لكنه في الوقت نفسه لوّح بخيارات أكثر خطورة قائلاً: إذا فُرض علينا، فنحن مستعدون، وعندها ستكون هناك احتجاجات في جميع أنحاء لبنان، وصولاً إلى السفارة الأمريكية.
بين تهديد الداخل وضغوط الخارج:
المشهد اللبناني اليوم يقف أمام مفترق طرق: من جهة حكومة تحاول تثبيت سيادتها وفق القانون والدستور، ومن جهة أخرى، حزب الله الذي يرفع شعار “المقاومة” لكنه في الوقت ذاته يفرض بقوة السلاح واقعاً سياسياً وعسكرياً يتجاوز الدولة.
أما في الخارج، فلا يخفي المجتمع الدولي قلقه من انفجار الوضع في لبنان، إذ إن أي انزلاق نحو حرب أهلية جديدة سيعني فتح جبهة إضافية في منطقة تعج بالصراعات.