مناهضون

حركة رواد النهضة لتحرير الأحواز

مكتب الإعلام

بحوث ودراسات

الأحواز: ضحية السياسات التمييزية في إدارة المياه

مناهضون

يُعد إقليم الأحواز، الذي كان تاريخيًا من أهم الأقاليم الزراعية والصناعية في إيران، من المناطق التي تواجه منذ سنوات أزمة مائية شاملة وعميقة الجذور — أزمة ليست بيئية فحسب، بل ذات أبعاد سياسية وتمييزية واضحة. فقد أدّت موجات الجفاف المتكررة، وانخفاض تدفّق الأنهار التاريخية كـ«الكرخة» و«كارون»، إلى جانب بناء السدود على نطاق واسع، ومشاريع نقل المياه إلى أقاليم وسط إيران، والأهم من كل ذلك، سوء الإدارة المتعمَّد للموارد المائية، إلى تحويل هذه المنطقة إلى واحدة من أكثر المناطق تأزمًا في البلاد.

هذه الأزمة لم تكن من صنع الطبيعة، بل نتيجة سياسة ممنهجة ومقصودة، فضّلت المشاريع الصناعية الكبرى ومصالح جهات معيّنة على حساب دعم القرى والمجتمعات المحلية. وفي ظل هذه السياسة، احتجّ السكان العرب في الأحواز مرارًا على غياب مياه الشرب، وجفاف بساتين النخيل، وانقطاع الكهرباء في صيفهم اللاهب — احتجاجات قُوبلت بالقمع العنيف والعقاب الجماعي، كما حدث في «انتفاضة العطشى» في صيف عام 2021 التي رُدّ عليها بالرصاص والهراوات.

السياسة الرسمية لدولة الاحتلال الإيرانية في الأحواز: إدارة المياه أم إدارة الناس؟

في ظل الحكومات الثلاث الأخيرة للجمهورية الإسلامية، وخاصة الحكومتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، تكررت التصريحات حول خطط لمواجهة الجفاف: من تكنولوجيا الريّ الحديثة والريّ المضغوط، إلى تقليل التبخر وتطوير شبكات نقل المياه. لكن ما نُفّذ فعليًا، كان إعطاء الأولوية لمشاريع تخدم المؤسسات العسكرية، والصناعات الكبرى، ومدن الوسط — وليس الفلاحين المحليين، ولا المجتمعات العربية المهمشة، ولا مزارعي النخيل الذين بقوا أوفياء لأرضهم.

إن تخصيص الموارد لصناعات النفط والصلب والبتروكيماويات — دون اعتبار للحقوق المائية الزراعية والبيئية — يكشف أن السياسة المائية للجمهورية الإسلامية ليست للتنمية المتوازنة، بل للسيطرة وطمس وجود إقليم الأحواز.

حرائق هور العظيم: علامة على انهيار التوازن الطبيعي

منذ شتاء العام الماضي وحتى صيف هذا العام، احترق أكثر من 22 ألف هكتار من هور العظيم — أكبر هور في جنوب غرب إيران ورئة الإقليم البيئية. الجفاف الناجم عن قطع حقوق المياه حوّل الهور إلى حقل من القصب اليابس القابل للاشتعال. والنتيجة: دخان كثيف يخيّم فوق مدن الأحواز، الحويزة، ميسان (دشت آزادكان)، وخفاجية (سوسنگرد)، ملوثًا الهواء ومصعّبًا حياة السكان.

وفي مواجهة هذه الكارثة، اكتفت السلطات بإرسال طائرة إطفاء واحدة غير فعّالة، مع تكرار الوعود الجوفاء، دون اتخاذ أي خطوة جدية لتأمين الحصة الطبيعية من مياه الهور.

نخيل عبادان: احتراق جذور الحياة

في أواخر تموز/يوليو 2025م، اشتعلت النيران في بساتين نخيل عبادان. مناطق مِنيُوحي، كوت شنوف، أبو عقاب، وأبو شكر شهدت واحدة من أفظع الحرائق في العقد الأخير. وبحسب التقارير، التهمت النيران ما بين 15 إلى 20 ألف نخلة مثمرة، وهي رمز للحياة والرزق المحلي. كما دُمّرت بالكامل أربعة منازل سكنية وورشة إنتاج واحدة.

وأجمع السكان المحليون على أن السبب الرئيس هو جفاف الأرض، وانعدام مياه الريّ، وغياب البنية التحتية لمكافحة الحرائق — حقيقة تجاهلتها الجهات الرسمية، أو لجأت للتبرير والتغطية عليها. إن غياب محطة إطفاء فاعلة في منطقة بهذه الأهمية، يُعدّ مثالًا صارخًا على التمييز البنيوي.

الجفاف والحرائق: وجهان لسياسة واحدة

في الأحواز، لا يمكن فصل الجفاف عن الحرائق؛ فهما وجهان لسياسة واحدة. سياسة سلبت الإقليم موارده الحيوية أو أهملتها، ودفعت بيئته نحو الانهيار الكامل. فعندما لا تُؤمَّن الحصص المائية للأهوار، وتُترك محطات الإطفاء بلا تجهيزات، فإن ما يحدث ليس مجرد «حريق»؛ بل تدمير مُنظَّم لأمّة بأكملها.

الجفاف في الأحواز ليس قدرًا طبيعيًا؛ بل فُرض فرضًا. واحتراق الأهوار والنخيل ليس نتيجة تغيّر مناخي فقط؛ بل ثمرة التمييز، والإقصاء، والتخطيط السياسي لإسكات الإقليم.

تحت جلد التمييز: الصمت في وجه الكوارث، والسياسة بدلًا من العدالة

ما دامت مشاريع نقل المياه إلى أصفهان ويزد وقم هي الأولوية، وما دامت مصانع الصلب ومحطات الطاقة في خوزستان تستهلك المياه بلا قيود، فإن الحديث عن «عدالة مائية» ليس إلا نكتة مريرة.

وما دام عرب الأحواز محرومين من المياه الصالحة للشرب، في حين تُغذّى المجمعات الصناعية في قلب الصحراء بالمياه، فلا يمكن وصف هذه السياسة سوى بأنها عنصرية بيئية وتمييزٌ ممنهج.

إن أزمة الماء والنار في الأحواز لم تعد قضية فنية أو بيئية؛ إنها قضية وجودية. فمع السياسات التمييزية في توزيع المياه، والتجاهل المتعمد للبنية التحتية البيئية، يُدفع الإقليم نحو التحوّل إلى صحراء صامتة.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *