مناهضون
كتب: الحارث طه
إذا نظرنا إلى التاريخ السياسي الأمريكي وتعمقنا في تفاصيله منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية وخلال جميع الإدارات، سواء الجمهورية أو الديمقراطية، فهل نجد أي نجاح سياسي على المستوى الخارجي؟ فعلًا، لم يكن هناك أي خبرة سياسية ترقى إلى مستوى هذه القوة الأولى في العالم.
وعندما يقال إن هناك سياسات ناجحة، مثل تفكيك الاتحاد السوفيتي، فالجواب هو: أبدًا، لم تكن هذه نجاحًا يُحسب للأمريكيين، بل كانت نتيجة عمل الجراح الأعظم في السياسة – بريطانيا، تلك المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، أصحاب الخبرة الأكبر على الإطلاق في علم السياسة والتي حركت العالم خلال سنوات طويلة بفن وحرفية عالية.
كان المكتب السياسي البريطاني قد وضع خططه لتفكيك الاتحاد السوفيتي وأوكل تلك المهمة للإدارة الأمريكية. وقد بدأت بريطانيا عبر عملائها ببدء تلك الخطة ورسم ما يمكن لأمريكا فعله في الوقت المناسب. كان هذا التوزيع للأدوار من قبل بريطانيا على اعتبار أن أمريكا تملك إلباس عسكري أكثر من غيرها، وعليه بدأت بوضع ترتيبات كادت الخطة أن تفشل عندما بدأ الأمريكيون باتخاذ نهج منفرد بعيدًا عن البريطانيين.
بعد ذلك، أخذ الأمريكان بالتفرد بالسياسات حول العالم على اعتبار أنهم القوة الأكبر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأخذوا يعيدون النظر بالوضع العالمي وفق رؤيتهم. وهذا ما حدث فعلًا عندما تفردوا بالقرار الدولي حول أفغانستان والعراق وقبلها كانت الصومال وفيتنام وكوبا. وكان هذا دليلًا آخر على فشل السياسة الأمريكية والهروب إلى الخيار العسكري.
وفي ترتيب البيت الداخلي في أمريكا، كانت هناك سقطات سياسية كبيرة. فقد تم قمع ثورة السود عام 1968 بقوة الجيش لا بقوة الحكمة والسياسة، وعلى إثر ذلك تم قتل أكثر من مئة وعشرة آلاف من السود على يد الإلباس العسكري الأمريكي. وكل ما كان مطلوبًا هو العدالة والمساواة بين العرقين الأسود والأبيض، ذلك الأبيض الذي أخذ على عاتقه نشر الديمقراطية والحرية بين الأعراق غير البيضاء حتى ولو بقوة السلام ونشر الجيش، وهذا نهج اتخذه فكر الديمقراطية الأبيض.
كان فك الارتباط بين الأمريكان والبريطانيين بعد نجاح الخطة البريطانية في تفكيك الاتحاد السوفيتي أحد أسباب النزاع الأنجلو-أمريكي في منطقة الخليج والشرق الأوسط عمومًا، وذلك عندما أصاب أمريكا ذلك الغرور الأعمى بأنها القوة الأعظم الوحيدة في العالم والقطب الواحد الفاعل فيه. عندها، أخذت بتقويض الدور البريطاني في المنطقة لصالحها.
لا بد للقوة العسكرية الأمريكية أن تنقذ السياسات الفاشلة للإدارة الأمريكية المتلاحقة. تلك كانت عبارة عن دخول ثور هائج يعلم من أين يدخل ولا يعرف كيف يخرج. وهنا لابد من الاستعانة بالأكثر حنكة في السياسة وفن الحرب – بريطانيا، الثعلب المعلم. كانت تلك الاستعانة في حرب فيتنام وفضيحة ووترجيت وحتى أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران.
تلك السياسة الفقيرة كانت ولا تزال محتاجة إلى الراعي الذي إذا ضلت أرشدها. انظر كيف أوغلت السياسة الأمريكية في الحرب الأخيرة في غزة وجندت كل السياسيين ورأس حربتها بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي ومستشاري البيت الأبيض لنصرة إسرائيل وتحييد الرأي العام العالمي لمصلحتها في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإرهابية من قبل حماس -على حد وصفهم-. وأخذ بلينكن دور وزير الخارجية الأمريكي والإسرائيلي بنفس الوقت وقاد تلك الحرب الدبلوماسية بكل قوة حتى فشل بكل المقاييس السياسية. وما كان من ذلك الفشل إلا أن يدخل على تلك الحرب القوة والإلباس العسكري الأضخم والأكبر من نوعه إلى المنطقة.
تلك القوة تمثلت فقط في حرب الخليج (حرب تغيير المنطقة)، أخذت على عاتقها تحريك كفة الميزان لصالح إسرائيل ورفع معنويات الجيش المنهار وإيصال رسالة واضحة أننا نقف معكم، نحن القوة في العالم، ضد حماس وذراعها العسكرية
اتفق المؤسسون الأوائل في الولايات المتحدة الأميريكية على الديمقراطية والحرية في بناء الدولة والسياسة الهادئة في العلاقات الخارجية، هذا ظاهريا لكن المؤسسين أنفسهم كانوا أمراء الحرب الأهلية، وكانت لديهم ولدى السياسيين الأمريكيين قاعدة ذهبية معمول بها حتى يومنا هذا (الدجاجات سوف تعود إلى المنزل لتشوي)، هذا حال السياسة الأمريكية ودائما ما تفشل وتلجأ إلى القوة والبأس العسكري.