مناهضون
منذ تأسيسه، أصبح “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني أحد الأذرع العسكرية والسياسية الأكثر تأثيراً في السياسة الإقليمية والدولية، هذا الفيلق الذي ارتبط اسمه بالتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة، يُعتبر لاعبًا أساسيًا في تنفيذ استراتيجيات إيران خارج حدودها، خاصة في الشرق الأوسط.
وعبر استخدام نفوذه العسكري والسياسي والاقتصادي، تمكن الفيلق من بناء شبكة معقدة من التحالفات والمليشيات في مناطق الصراع، مما جعله ركيزة أساسية في توجهات السياسة الخارجية الإيرانية.
تأسيس فيلق القدس:
تأسس فيلق القدس في العام 1980، وهو أحد الأجنحة الرئيسية للحرس الثوري الإيراني، حيث نشأ هذا الفيلق في أعقاب الثورة الإيرانية بهدف تعزيز دور إيران في تصدير “الثورة الإسلامية” إلى الخارج، وقاد الفيلق في مراحله المبكرة قاسم سليماني، الذي أصبح شخصية محورية في بناء نفوذ إيران في الشرق الأوسط.
وفيلق القدس هو وحدة العمليات الخارجية للحرس الثوري، ومنذ نشأته، كان هدفه الأساسي هو توجيه وتنسيق الأنشطة العسكرية والسياسية التي تهدف إلى تقوية نفوذ إيران الإقليمي.
ومنذ ذلك الحين، توسعت مهماته بشكل كبير ليشمل دعم حلفاء إيران في مناطق الصراع، وتجنيد وتدريب المليشيات المسلحة، وتقديم الدعم المالي والسياسي لحركات المقاومة المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل.
الأدوار والمهام:
يلعب فيلق القدس أدواراً متعددة، تتراوح بين العمليات العسكرية والاستخباراتية إلى الأنشطة الدبلوماسية والاقتصادية، ويمكن تقسيم مهام الفيلق إلى عدة محاور رئيسية:
الدعم العسكري والتدريب:
يقوم فيلق القدس بتدريب المليشيات المسلحة في دول مثل العراق، سوريا، لبنان واليمن، ومن أبرز حلفائه “حزب الله” في لبنان و”الحشد الشعبي” في العراق، بالإضافة إلى الدعم العسكري لجماعات مثل “أنصار الله” الحوثيين في اليمن، ويتراوح هذا الدعم بين تقديم الأسلحة المتطورة إلى التدريب والتوجيه العسكري.
العمليات الاستخباراتية:
يدير الفيلق شبكات تجسس واستخبارات في العديد من دول الشرق الأوسط، ويرتبط اسمه بتنفيذ عمليات سرية واغتيالات مستهدفة لأعداء إيران، سواء كانوا شخصيات سياسية أو عسكرية.
تصدير الثورة:
يقوم فيلق القدس بتعزيز الفكرة الإيرانية القائمة على “تصدير الثورة الإسلامية”، وذلك من خلال دعم الأنظمة والحركات التي تتماشى مع الأيديولوجية الإيرانية، ويعتبر الفيلق المسؤول عن تكوين “محور المقاومة” الذي يمتد من إيران إلى العراق، سوريا، لبنان وفلسطين.
التدخل في الشؤون الداخلية للدول:
يلعب الفيلق دوراً رئيسياً في التأثير على الحكومات والأحزاب السياسية في الدول التي تدخلها، فعلى سبيل المثال، لعب الفيلق دورًا محوريًا في الحرب الأهلية السورية عبر دعم نظام بشار الأسد، وكذلك في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث أصبح الفيلق لاعبًا رئيسيًا في توجيه سياسات الحكومة العراقية.
التمويل والاقتصاد:
يدير فيلق القدس شبكة معقدة من الشركات التجارية والاقتصادية التي تدر عليه مليارات الدولارات، مما يساعده في تمويل عملياته الخارجية، بالإضافة إلى ذلك، يستفيد من تجارة النفط والأسلحة في تمويل المليشيات التابعة له.
الأدوار المشبوهة والتورط في النزاعات:
يعد فيلق القدس بمثابة الأداة الرئيسية لإيران في التدخلات العسكرية والسياسية في المنطقة. وتتنوع أدوار الفيلق المشبوهة من دعم الجماعات المسلحة غير الشرعية إلى المشاركة في زعزعة استقرار الأنظمة الحاكمة في الدول المجاورة، من أبرز المناطق التي تورط فيها الفيلق:
العراق:
بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، أصبح فيلق القدس لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني العراقي، عبر دعمه للفصائل الشيعية المسلحة، تمكن الفيلق من تحقيق نفوذ قوي على الحكومة العراقية، كما يُتهم بالتورط في تنفيذ هجمات على القوات الأمريكية عبر وكلائه.
سوريا:
منذ بداية الأزمة السورية، قدم فيلق القدس دعماً عسكرياً ولوجستياً واسع النطاق لنظام الأسد، ولعب دوراً رئيسياً في منع انهيار النظام السوري، قام الفيلق بتوجيه وتنظيم المليشيات الشيعية التي جاءت من لبنان والعراق وإيران للقتال إلى جانب الجيش السوري.
لبنان:
يعتبر فيلق القدس الراعي الرئيسي لـ”حزب الله” اللبناني، الذي يُعد الذراع العسكري والسياسي الأقوى لإيران في المنطقة، من خلال دعمه المستمر للحزب، تمكنت إيران من جعل لبنان جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية في مواجهة إسرائيل والغرب.
اليمن:
من خلال دعم “الحوثيين”، يتورط فيلق القدس في النزاع الدائر في اليمن، حيث يقدم لهم الدعم العسكري والتقني في مواجهتهم للحكومة اليمنية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية.
الاغتيالات والعمليات الخاصة:
اشتهر فيلق القدس بتنفيذه عمليات اغتيال دقيقة ضد شخصيات معارضة لإيران، وعلى سبيل المثال، تورط الفيلق في اغتيال مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، إضافة إلى محاولات اغتيال معارضين إيرانيين في الخارج.
قيادة فيلق القدس:
وحتى اغتياله في يناير 2020، كان قاسم سليماني القائد الأبرز للفيلق، وشكلت وفاته ضربة قوية لإيران، لكنها لم توقف أنشطته، فبعد اغتيال سليماني، تولى إسماعيل قآني قيادة الفيلق، واستمرت الأنشطة الخارجية تحت قيادته على نفس الوتيرة، مع استمرار النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان.