بقلم أ. عبدالرحمن السقاف
من عجب العجاب التوفيق بين المتخالفات، والتوحيد بين المتفرقات، غير أن ذلك تجده ظاهراً جلياً في العلاقة بين الحوثية “الزيدية” وإيران “الشيعية الإمامية”.
فإيران في عهد الخميني المؤسس لهذا الكيان غير إيران في عهد التلميذ علي خامنئي!
فإيران في عهد الخميني كانت واضحة التعامل، وصريحة المواقف مع كل من يخالفها، فلم تكن تعرف شيئا عن الدبلوماسية السياسية، فكان موقفها سلبياً مع الأخرين، ومن ضمنهم شيعة اليمن أو بما يُعرفون بالزيدية التي ينتمي لها الحوثي.
فالخميني كفّر الزيدية بل وحكم بنجاستهم! فقال في كتابه: (الطهارة)، (٣ / ٣٣٨) :”ثم أن المتحصل من جميع ما تقدم أن المحكوم بالنجاسة هو الكافر المنكر للألوهية أو التوحيد أو النبوة وخصوص النواصب والخوارج بالمعنى المذكور، وسائر الطوائف من المنتحلين إلى الاسلام أو التشيع كالزيدية والواقفة والغلاة والمجسمة والمجبرة والمفوضة وغيرهم إن اندرجوا في منكري الأصول أو في إحدى الطائفتين فلا إشكال في نجاستهم”.
هذا التشدد الشيعي الامامي الصادر من الخميني، قابله تشدد آخر بل واستهزاء “حوثي زيدي” من عقائد الشيعة الإمامية، فجاء على لسان حسين بدر الدين الحوثي، المؤسس لحركة أنصار الله الإرهابية، حيث قال في ملزمته التي بعنوان: (من هدي القرآن الدرس: دروس رمضان 11 رمضان 1424 5 نوفمبر 2003م) : “تجد كُتّاباً كباراً من [الاثنا عشرية] وعلماء مراجع كبار[آية الله كذا] ، ومؤمن بمسألة أن المهدي موجود من [عام 255 هجرية] إلى الآن، وإلى الله أعلم، إلى أي وقت. قضية مستبعدة جداً أن يكون هذا إمام وحجة يجلس غائب الفترة الطويلة هذه وهو حجة الله على عباده!”.
هذا التراشق وهذا التعنت بين الطرفين عائد الى أصول تراث كل مذهب منهما ويعكس الموقف الحقيقي تجاه الأخر.
لكن فرقاء الأمس أصبحوا رفقاء اليوم، بين خامنائي إيران وحوثي اليمن وتحديداً بعد 2011، وليس هذا الاتفاق عائد لشيء إلا لتوحد هدف كل واحد منهما تجاه الخصم الذي يقض مشروعهما في المنطقة، ألا وهي المملكة العربية السعودية العظمى، قلب العالم الإسلامي والعربي حرسها الله وحفظها بحفظه.
الحوثي والإيراني يعرفان جيداً مقدار الكره والبغض المتبادل بينهما، فهو ليس وليد الساعة أو من بداية عهد الخميني فقط، بل من قرون، فالزيدية يبغضون النظام الحاكم في إيران ويُبغضون مذهبه أشد من بغضهم للمملكة العربية السعودية، والمذهب السني، فالحوثية الزيدية لن تنسى إقصاء حكمها من بلاد طبرستان والديلم على يد دولة بني بويه المغالية في التشيع آنذاك، والداعية للتشيّع الإمامي.
ما نراه الأن من تبادل أدوار بين خميني وخامنئي، هو عائد إلى الأسلوب والطريقة، فالخميني يرى الوضوح وعدم المداهنة، بينما خامنئي يرى المراوغة والالتفاف واستخدام التقية لتحقيق هدفه التوسعي الأكبر من قيام إمبراطورية إيرانية تُحيط بكامل الجزيرة العربية، بداية من العراق والشام ولبنان ونهاية باليمن، تحت ما يُسمى بتصدير الثورة!
فإيران الخميني المكفرة للحوثي بالأمس، نراها اليوم في عهد خامنئي تمد الحوثي بالسلاح والعدة والعتاد!
وهذا ما يراه الحوثي مناسباً له، حيث يكفيه أن يكون خادماً للولي الفقيه الإيراني مقابل التنعم بخيرات اليمن وسرقة أمواله، والتفرد بقراره، فإيران هي “الصديق اللدود” التي تستطيع أن تُوفر له هذا الأمر وإن خسر كرامته وقيمته وقامته!
بقلم أ. عبدالرحمن السقاف كاتب وباحث في التشيع الصفوي