مناهضون
تعتبر القضية الفلسطينية منذ منتصف القرن العشرين واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل على المستوى الإقليمي والدولي، ومع تصاعد الصراع العربي الإسرائيلي، برزت إيران كلاعب رئيسي في المنطقة بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حيث حاولت استغلال القضية الفلسطينية لأهدافها الاستراتيجية.
فمصطلح التجارة بالقضية الفلسطينية عند الحديث عن إيران يعني استخدام القضية الفلسطينية أداة سياسية، دبلوماسية، وعسكرية لتعزيز نفوذها الإقليمي، ورفع مكانتها كزعيم للمقاومة الإسلامية، دون أن يكون الهدف الأساسي هو تحقيق الحرية أو السلام للشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى.
ـ الجذور التاريخية للسياسة الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية:
إيران قبل الثورة:
في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، تبنت إيران موقفًا رسميًا داعمًا للعالم العربي ضد إسرائيل، لكنه كان شكليًا أكثر منه عمليًا.
فكانت إيران تركز على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الغرب والولايات المتحدة، ولم تكن القضية الفلسطينية أولوية استراتيجية.
وكان دعم الشاه سياسيًا رمزيًا، ولم يشمل دعمًا عسكريًا مباشرًا للفصائل الفلسطينية.
إيران بعد الثورة الإسلامية:
أعلنت إيران الثورة الإسلامية موقفها المناهض لإسرائيل، واعتبرت نفسها الداعم الحقيقي للشعوب العربية والإسلامية ضد الاحتلال.
أهداف إيران الاستراتيجية بعد الثورة:
تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة في مواجهة النفوذ الأمريكي والسعودي.
تقديم نفسها كحامية للقضايا الإسلامية، لا سيما القضية الفلسطينية.
استخدام القضية الفلسطينية أداة للترويج لأيديولوجية الثورة الإسلامية على المستوى الدولي.
بناء شبكة من الحلفاء والفصائل المسلحة لمواجهة إسرائيل والغرب.
ـ أدوات وأساليب إيران في استغلال القضية الفلسطينية:
بدأت إيران بدعم حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني منذ الثمانينيات، وذلك بعد الثورة اللبنانية والصراع الفلسطيني في الجنوب اللبناني.
أشكال الدعم:
تدريب عناصر المقاومة الفلسطينية في معسكرات خاصة.
توفير أسلحة متوسطة وخفيفة، وصواريخ قصيرة المدى.
الدعم اللوجستي والتقني لبعض العمليات العسكرية.
الهدف الأساسي لم يكن بالضرورة تحرير فلسطين، بل تعزيز وجود إيران في الإقليم وخلق تحالفات إستراتيجية مع الفصائل المسلحة.
– الإعلام والدبلوماسية:
أنشأت إيران منابر إعلامية مثل قناة العالم ووكالات أنباء متعددة للترويج للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم الإسلامي.
استضافة مؤتمرات دولية باسم دعم فلسطين مثل المؤتمر الدولي لدعم المقاومة الفلسطينية.
استخدام هذه المؤتمرات لإظهار إيران كزعيم إقليمي والضغط على الدول الغربية لتبني مواقف مناهضة لإسرائيل.
– الضغط السياسي والإقليمي:
إيران مارست ضغوطًا سياسية على الدول العربية لتكون مواقفها متوافقة مع سياسات طهران تجاه إسرائيل.
دعم الفصائل الفلسطينية أصبح أداة دبلوماسية لإيران للتفاوض مع الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة.
استثمار القضية الفلسطينية ساعد إيران في تحقيق مكاسب سياسية داخل مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإسلامية.
– الاستثمار السياسي الداخلي والإقليمي:
استخدام دعم القضية الفلسطينية لتقوية شرعية النظام داخليًا أمام الشعب الإيراني.
تعزيز مكانة إيران كقوة إقليمية قوية أمام خصومها في الخليج العربي، خاصة السعودية.
خلق صورة إيران كحامية للمسلمين، مما يعزز دعم الرأي العام العربي والإسلامي لسياساتها الإقليمية.
– البعد الاقتصادي:
الدعم المالي الذي تقدمه إيران للفصائل الفلسطينية محدود ويركز على أهداف استراتيجية.
لم يكن الهدف الأساسي هو تنمية القدرات الاقتصادية للشعب الفلسطيني، بل استخدام الدعم المالي كأداة سياسية.
– البعد السياسي:
إيران استغلت القضية الفلسطينية لتعزيز نفوذها في المنطقة ورفع مكانتها كقوة ضد إسرائيل والغرب.
دعم إيران للفصائل الفلسطينية خلق حلفاء إقليميين يعززون مصالحها العسكرية والدبلوماسية.
– البعد العسكري:
زادت قوة الفصائل المسلحة بدعم إيراني، لكنها أدت أيضًا إلى تعقيد المسارات السلمية للحل الفلسطيني.
تعزيز القدرات العسكرية للفصائل مثل حماس والجهاد الإسلامي أوجد توازنًا استراتيجيًا جزئيًا ضد إسرائيل، لكنه ساهم في استمرار النزاع.
ـ أبرز الأمثلة التاريخية على استغلال إيران للقضية الفلسطينية:
– الثمانينيات: دعم إيران للجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس بعد الثورة اللبنانية.
– أوائل التسعينيات: تقديم تدريب وصواريخ قصيرة المدى لفصائل المقاومة.
– 2000-2005: زيادة الدعم العسكري بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
– 2010 وما بعدها: استثمار إيران للقضية الفلسطينية في وسائل الإعلام الدولية ومؤتمرات دعم المقاومة، خاصة أثناء الحروب الإسرائيلية على غزة.