مناهضون
في كثير من الأحيان يكون التاريخ عالقًا في مسار معقد بلا أمل في تغييره ضمن إطار زمني معقول أو بمخاطر مقبولة، فلثلاثة عقود كان الشرق الأوسط يعاني من زعزعة الاستقرار التي أحدثتها إيران ووكلاؤها مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والحوثيين في اليمن، إلا أن الأسابيع الأخيرة حملت معها تطورات غير مسبوقة، حيث تعرضت إيران لسلسلة من الانتكاسات التي قد تعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة.
انتكاسات إيران المتسارعة:
منذ الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن خسائر كبيرة، تمكنت إسرائيل من تصفية العديد من قيادات حزب الله في لبنان وتوجيه ضربات موجعة لحماس في غزة، ورغم التكلفة الكبيرة على المدنيين الفلسطينيين، فإن هذه العمليات العسكرية ساهمت في إضعاف قدرات الفصائل المدعومة من إيران.
وفي الوقت ذاته، نجحت إسرائيل في التصدي لوابل من حوالي 180 صاروخًا باليستيًا إيرانيًا، مما قلل من الأضرار الناجمة عن تلك الهجمات إلى حد كبير.
وأشار الكاتب “ديفيد إغناطيوس” في واشنطن بوست إلى أن إسرائيل اكتسبت ما يسمى بـ”هيمنة التصعيد” على إيران ووكلائها، وهذا المفهوم يعني أن إسرائيل أصبحت قادرة على توجيه ضربات إلى أعدائها متى شاءت، بينما تتعرض لأضرار محدودة فقط في المقابل.
هذه الهيمنة قد تدفع قادة إسرائيل للتفكير جديًا في استغلال اللحظة الحالية لتوجيه ضربة كبرى لإيران قبل أن تفوت هذه الفرصة.
فرصة قد لا تتكرر:
من عدة زوايا، تبدو إيران في وضع ضعيف، اقتصادها يعاني من ضغوط كبيرة، وقيادتها متمثلة في المرشد الأعلى تتقدم في العمر.
إضافة إلى ذلك، رئيس فيلق القدس، المسؤول عن إدارة الفصائل المسلحة التابعة لإيران، قد لا يكون متاحًا كما كان سابقًا، بينما حزب الله، الذي يعتبر خط الدفاع الأول لإيران في لبنان، بات أضعف من أي وقت مضى.
وفي ظل هذه الظروف، يخشى القادة الإسرائيليون أن هذه الفرصة الذهبية لإضعاف إيران قد لا تتكرر قريبًا.
وفي الوقت الذي يدعو فيه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى رد متوازن على الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة، يفكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استغلال هذه اللحظة لتوجيه ضربة ذات تأثير استراتيجي على إيران.
وتشمل الأهداف المحتملة البنية التحتية النفطية الإيرانية، مما سيضيف ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الإيراني المتهالك، وأيضًا مصانع الصواريخ التي تنتج الصواريخ الباليستية التي تهدد إسرائيل.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو البرنامج النووي الإيراني، الذي يمثل التهديد الأبرز والأكثر تعقيدًا. المواقع النووية الإيرانية، مثل نطنز وفوردو، محصنة جيدًا وتبعد عن إسرائيل بمسافة كبيرة، مما يجعل من الصعب توجيه ضربات مدمرة لها.
الحاجة لتدمير البرنامج النووي الآن:
في مقال نشرته فورين بوليسي، يطرح ماثيو كرونيج من المجلس الأطلسي فكرة ضرورة شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية في الوقت الحالي.
ويؤكد كرونيج أن الجدول الزمني الذي تحتاجه إيران للوصول إلى أول قنبلة نووية بات قصيرًا جدًا، مما لا يترك مجالًا كبيرًا للتفاوض أو التأخير.
وتمكنت إسرائيل بدورها من تقليص قدرات حماس بشكل كبير وأضعفت حزب الله إلى حد كبير، مما يجعل الفرصة الآن مواتية للقيام بخطوة جريئة.
إضافة إلى ذلك، يشير كرونيج إلى عدم وجود أي آفاق دبلوماسية لحل الأزمة النووية مع إيران في الوقت الراهن.
وإذا كانت الولايات المتحدة تتفق مع التقييم بأن وجود إيران نووية يمثل خطرًا غير مقبول، فإن الوقت الآن هو الأنسب لتوجيه ضربة قد تكون الفرصة الأخيرة قبل أن يصبح ردع إيران النووية أكثر تعقيدًا وربما مستحيلاً.