مناهضون
تشكل معاناة النساء في الأحواز المحتلة أحد أكثر فصول الانتهاكات الإيرانية قسوة وسوداوية، حيث تتعرض الأحوازيات، منذ عقود، لشتى أنواع القمع والاضطهاد بسبب انتمائهن القومي ونشاطهن الاجتماعي والسياسي، ولا تقتصر هذه الانتهاكات على الاعتقالات التعسفية والتعذيب الجسدي والنفسي، بل تمتد لتشمل الملاحقة المستمرة، والحرمان من العلاج والتعليم والعمل، في مشهد يعكس سياسة متعمدة تستهدف المرأة الأحوازية كرمز للثبات والهوية الوطنية.
ومن أحدث الأمثلة على هذه الانتهاكات ما تعرضت له السيدة مريم زبيدي، البالغة من العمر 58 عامًا، والتي تم نقلها مؤخرًا إلى سجن سبيدار للنساء في مدينة الأحواز يوم السبت الموافق 2 نوفمبر 2025، بعد استدعائها من قبل شعبة تنفيذ الأحكام في محكمة الثورة الإيرانية لتنفيذ حكم صادر بحقها.
ورغم أن السيدة زبيدي تعاني من أمراض مزمنة في الجهازين التنفسي والهضمي، فقد أقدمت سلطات الاحتلال على اعتقالها فور وصولها إلى مقر المحكمة دون سابق إنذار، قبل أن تنقلها مباشرة إلى سجن سبيدار المعروف بظروفه السيئة، لا سيما للنساء الأحوازيات اللواتي يتعرضن داخله للتعذيب النفسي والجسدي والعزل الانفرادي والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.
ـ قصة مريم زبيدي من الاعتقال إلى المعاناة المستمرة:
تعود قضية زبيدي إلى عام 2018 عندما تم اعتقالها من قبل جهاز استخبارات الاحتلال الإيراني بتهم وُصفت بأنها العمل ضد أمن الدولة والاتصال بالخارج، وهي تهم تستخدمها طهران لتبرير قمع النشطاء والمثقفين الأحوازيين.
وقد تمت محاكمتها أمام الشعبة الأولى لمحكمة الثورة في الأحواز، وصدر بحقها حكم بالسجن لمدة أربع سنوات، تم تأييده نهائيًا في أكتوبر 2025 بعد رفض الاستئناف الذي تقدمت به.
وخلال فترة اعتقالها، قضت أكثر من عامين في سجن سبيدار حيث خضعت للتحقيق القاسي والتعذيب، ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.
وبسبب أوضاعها المتردية، أُفرج عنها مرتين بشكل مؤقت مقابل كفالة مالية، كان آخرها قبل أكثر من عام، غير أن سلطات الاحتلال الإيراني رفضت احتساب نحو ثمانية أشهر من مدة احتجازها السابقة ضمن فترة الحكم، لتعود اليوم إلى السجن لإكمال العقوبة المتبقية.
ـ الأم التي دفعت الثمن مرتين:
السيدة مريم زبيدي ليست مجرد معتقلة سياسية، بل أم لأبناء دفعوا بدورهم ثمن النضال ضد الاحتلال الإيراني.
فقد استُشهد ابنها بنيامين آلبوغبیش في يوليو 2019، بينما نجا ابنها الآخر محمد علي آلبوغبیش بعد اعتقاله وإطلاق سراحه بكفالة مالية.
هذه المأساة العائلية تجسد الوجه الحقيقي للقمع الإيراني الذي لا يفرق بين الرجال والنساء، ولا حتى بين الأمهات وأبنائهن.
ـ سياسة ممنهجة ضد المرأة الأحوازية:
ترى منظمات حقوق الإنسان أن قضية مريم زبيدي ليست حالة فردية، بل تأتي ضمن سياسة متواصلة تتبعها سلطات الاحتلال الإيراني لقمع النساء الأحوازيات اللواتي يمثلن محورًا أساسيًا في الحفاظ على الهوية الثقافية واللغة العربية داخل الإقليم المحتل.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن العشرات من النساء الأحوازيات يقبعن في سجون الاحتلال في ظروف مأساوية، حيث يُحرمن من الزيارات العائلية والعلاج، ويتعرضن لمعاملة قاسية ترقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويؤكد ناشطون أن استهداف النساء يأتي في إطار محاولة طمس الوعي الوطني في المجتمع الأحوازي، إذ أصبحت المرأة الأحوازية رمزًا للمقاومة السلمية والدفاع عن الهوية العربية رغم كل أشكال القمع والتهميش.
ـ صمود رغم الألم:
ورغم محاولات الاحتلال الإيراني كسر إرادة النساء الأحوازيات عبر الاعتقال والتعذيب والنفي، لا تزال أصواتهن تتعالى في وجه الظلم، مطالبة بالحرية والعدالة والمساواة، ومؤكدة أن صمود المرأة الأحوازية هو امتداد لصمود شعبها في مواجهة الاحتلال منذ قرن من الزمان.





